بقلم فهمي هويدي: الدفاع عن المشترك واجب الوقت
أريد أن أسجل شهادة تقدير وإجلال لقضاة مجلس الدولة، على نزاهتهم وتمسكهم باستقلالهم واستقرار أعرافهم. التقدير واجب أيضا لزميلنا الأستاذ حمدى رزق الكاتب بجريدة «المصرى اليوم»، الذى كان ــ فيما أعلم ــ الوحيد فى الإعلام المكتوب الذى جرؤ على إعلان التضامن معهم، إذ دعا الرئيس السيسى فيما كتبه يوم الإثنين ١٥/٥ إلى اعتماد مرشح الجمعية العمومية لقضاة مجلس الدولة لرئاسة المجلس إكراما للقضاء واحتراما لاستقلاله.
صحيح أن ذلك التضامن عبر عنه نشطاء شرفاء آخرون فى تغريداتهم التى تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعى، لكن صوت هؤلاء لم يصل إلى الإعلام المقروء والمرئى، ناهيك عن أن جريدة «الأهرام» «العريقة» تجاهلت الخبر من أساسه.
فلم تشر إلى أن مستشارى مجلس الدولة رشحوا المستشار يحيى دكرورى رئيسا، ورفضوا ترشيح ثلاثة من أقدمهم ليختار الرئيس واحدا منهم، طبقا لما جاء فى القانون الجديد الذى أقره مجلس النواب. وفى حين ضنَّ الأهرام على قارئه أن يحاط علما بذلك الخبر المهم والمثير، فإنها أبرزت على الصفحة الأولى أخبار تمويل مشروعات الصرف الصحى وتعادل فريق النادى الأهلى مع زاناكو وغضب المدرب إيناسيو من لاعبيه!
وإذ أضم صوتى إلى دعوة الرئيس للتجاوب مع قرار الجمعية العمومية لقضاة مجلس الدولة، فإننى أتضامن أيضا مع ما ذكره الأستاذ حمدى رزق من أن ذلك التجاوب المنشود ــ إذا تم ــ فإنه سيعد علامة قوة وثقة وليس علامة ضعف، وإن المنتصر فى هذه الحالة هو الحكمة والحق والعدل، وليس القضاة وحدهم. فضلا عن أنه سيزيل الشبهات التى أثيرت حول خلفيات تعديل قانون السلطة القضائية، وأشارت إلى أن الهدف منه هو استبعاد تولى المستشار دكرورى لرئاسة مجلس الدولة، رغم أن ذلك حق له باعتباره الأقدم بين أقرانه. وذلك عقابا له على إصداره حكما لصالح مصرية الجزيرتين.
نعلم أن موقف قضاة مجلس الدولة لم يكن له دوافع سياسية كما أنه ليس تعبيرا عن معارضة السلطة، ولكنه كان تمسكا باحترام الدستور وتشبثا باستقلال القضاء. إذ لم يختلف أحد على أن التعديل الذى أدخل على اختيار رؤساء الهيئات القضائية كان بمثابة عدوان على ذلك الاستقلال، رفضته كل تلك الهيئات، بل أزعم أنه ينتسب إلى فكرة «شبه الدولة» التى جرى انتقادها فى الخطاب الرسمى، باعتبار أن من شأنه إضعاف مؤسساتها وتفريغ استقلالها من مضمونه.
لا أعرف صدى قرار قضاة مجلس الدولة فى أوساط الهيئات القضائية الأخرى. وإن تمنيت أن تتبنى تلك الهيئات الموقف ذاته، ليكون ذلك مدعاة لإعادة النظر فى القانون، بما يعزز استقلال القضاء ويحفظ له تقاليده وهيبته، وبما يفتح الباب لتدارك الخطأ الذى وقع فيه البرلمان.
أنتهز الفرصة لأسجل أن الدفاع عن استقلال القضاء فى جوهره هو دفاع عن قوة الدولة ومؤسسات المجتمع، وأذكر بأن القضاة والمدعين العامين فى الولايات المتحدة هم من أوقفوا الرئيس ترامب عند حده، حين قرر حرمان رعايا سبع دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة. كما أذكر بأن موضوع استقلال القضاء يتصدر قائمة الملفات والعناوين التى ينبغى أن تسمو فوق أى خلاف بحيث تظل ضمن دائرة الإجماع الوطنى الذى انفرط عقده خلال السنوات الأخيرة جراء الخلافات التى شاعت فى الفضاء السياسى المصرى. وهو ما سوغ قبول البعض مثلا بالعديد من صور انتهاكات حقوق الإنسان، التى استشرت حتى أصبحت وباء يعانى منه الجميع.
لقد خسر المصريون كثيرا حين شغلوا بالصراع حول ما هم مختلفون عليه. وكان الوطن أول الخاسرين. وأحسب أننا صرنا الآن أحوج ما نكون لكى نفتح أعيننا للالتفاف حول المشترك الذى نحن متفقون عليه. وعناوين ذلك المشترك كثيرة لو تعلمون.