بقلم علي التركي: متى يستمع الرئيس الغاضب إلى نجيب محفوظ؟!
خاص سياسي
ظهر الرئيس عبدالفتاح السيسي «غاضبًا»، خلال زيارته الأخيرة إلى قنا، التي افتتح فيها عددًا من المشروعات القومية، نتمنى أن تعود بالخير على أهالينا «الفقراء جدًا» في محافظات الصعيد.
«الاعتداء على أراض الدولة»، تسبب في تغيير الحالة المزاجية للسيد الرئيس، الذي من المفترض أن يكون فرحًا بما أنجزته حُكومته، لكن السؤال؛ هل نحن المسئولون عن ذلك أم موظفو الدولة المتقاعسون عن أداء عملهم؟!.
الرئيس قال «مصر مش طابّونة»، رغم أن كل الشواهد، تؤكد أنها «تكيّة» للكبار، يسرقون منها ما يشاؤون، لذا أدعوك أن تُعلن أسماء «سارقي أملاك الشعب»، و«واضعي اليد» على أراض الدولة؛ لكي يعلم المواطنون من هم اللصوص.
لكن قبل ذلك، عليك أن تُحاسب كل من تواطأ، وتقاضى الرشاوى من اللصوص؛ لتسهيل استيلائهم على تلك الممتلكات، مؤكد ستكتشف أن شبكة المصالح مُتشابكة وتصل إلى حدود حكومتك.
«سيادة الرئيس»، إذا لم تُعالج الفساد من جذوره، سيظل كخلايا سرطانية، تسرق مُقدرات الوطن، ولن يستفاد هذا الشعب، الذي لا يجد قوت يومه، كما قولت، من أي مشروعات تُسابق الزمن من أجل إنجازها.
«سيدي الفاضل»، أدعوك للاستماع إلى نصائح «نجيب محفوظ»، الذي يرصدها الأديب والروائي الكبير مصطفى بيومي «الوظيفة والموظفون في عالم نجيب محفوظ»، الصادر عن «دار الهلال»، ديسمبر 2016.
في هذا الكتاب، ستجد الداء والدواء، ومنه، نبدأ رحلة الإصلاح، التي بدونها سيضيع كل تعبك هباء منثورا، مثلما حدث ويحدث وسيحدث، ومن هنا «نُكافح الإرهاب».
الإصلاح الإداري بـ«العقاب»
في رواية «العائش في الحقيقة»، يقول الحكيم «آي» لـ«إخناتون»: «عندما يأمن الموظف من العقاب، سيقع الفساد، ويسوم الفقراء سوء العذاب»، فالموظف لا يأمن من العقاب إلا في ظل الفوضى العارمة، وضعف النظام الحاكم.
و«فساد الموظف»، يعني تعرض الجماهير التي تتعامل معه إلى عذاب حقيقي؛ بسبب الأهمية الكبيرة للوظيفة الحكومية، وتحكّمها في المصائر والأقدار، ومن هنا؛ تسقط البلاد في الهاوية.
«سيادة الرئيس»، في بلادنا كما في «أدب نجيب محفوظ»، قبول الهدية الفاخرة ليس فعلًا استثنائيًا، فالمتاجرة بأملاك الدولة من الأعمال الشائعة، بل أصبحت مهنةً مربحةً، نريدك أن تُحاسب الجميع، وتكشف لنا من تقاضى رشاوى لتسهيل تلك الاعتداءات.
الفساد يصنع الإرهاب
لماذا نهتم بتجديد الخطاب الديني؟، ونغفل العنصر الرئيسي في صناعة الإرهاب؟، إنها «البطالة»، ومن هنا، يسقط شبابنا فريسةً سهلةً، في أيدي إما العصابات الإجرامية أو التنظيمات الإرهابية، فأشباح البطالة، تنتشر في واقعنا، كما في أعمال نجيب محفوظ، فما أكثر الشباب المتعلمين الذين يُعانون
ويُكابدون في البحث عن الوظيفة، وما أَفدح الثمن الباهظ الذي يضطرون لدفعه في سبيلها.
وفي رواية «المرايا» يرصد؛ كيف كان الإحباط مُسيطرًا على عقول طلاب كلية الآداب، من مستقبل غامض بلا وظيفة، من بطالة تنتظرهم في الخارج، بعد معاناة طويلة مع العلم، إنهم يريدون جني الأرباح الآن، لكن للأسف المال ليس لهم، الاستقرار بعيد عنهم، ويحرقهم «الشوق» إلى «العمل»، وتظهر أمامهم أشباح، تخرج من هاوية مُظلمة، مُعلق عليها لافتة «لا عمل».
حتى قضية تعيين أبناء الوزراء والمسئولين في الدولة، وآخرها ابنة وزير الأوقاف التي عُينت في إحدى شركات البترول، دون أدنى حق، ستجدها في رواية «القاهرة الجديدة»، وإن كان الواقع أسوأ كثيرًا.
فـ«الوساطة»، هي القانون الحتمي، المترتب على شيوع البطالة، ومحدودية الوظائف المعروضة في سوق العمل، فـ«الحكومة» عائلة واحدة متماسكة لا يخترقها غريب، «الوزراء» يعينون الوكلاء من الأقارب، و«الوكلاء» يختارون المديرين من الأقارب، حتى «الخدم» يُختارون من خدم البيوت الكبيرة، وهي حقيقة بأن تضحى بمصلحة الشعب إذا تعارضت مع مصلحتها.
في بلادنا «محجوب عبد الدايم»، هو الأمر الناهي، هو السبب الرئيسي في انتشار الإرهاب، هو صاحب مقولة «الشفاعة بغير شفاعة أرخص من ورق اللحم!»، فلا عمل بلا وساطة قوية تفتح الطريق وتُمهد السبيل، حتى الوساطة لا بدّ لها من مُقابل وتتباين الأساليب التي يدفع بها الثمن، فثمة من يتنكر لمبادئه، ويتنازل عن أفكاره، وآخرون يدفعون رشوةً ماليةً سافرةً، وفريق ثالث يكون التفريط في عرضه وشرفه، هو الضريبة التي يقدمها للوصول إلى الوظيفة المنشودة.
«سيادة الرئيس»، نحن نصنع جيلًا مُشوهًا، نقتل الأمل بداخله، نصنع منه مشروع لصوص وإرهابيين جدد، فقط نُريد منك «قتل الفساد»، واترك لنا بقية المشوار؛ وسنصنع من مصرنا وطنًا يفتخر به الأجيال القادمة، نحن قادرون على ذلك.