بقلم علي التركي: هنا دمشق .. سوريا نهاية النظام العربي
خاص سياسي
متى يعرف العرب أن سقوط سوريا وخروجها من أزمتها الحالية تعني أنهم سيصبحون عبيدا لنظاما شرق أوسطي جديد؟.. لماذا يفرح بعضهم بما يحدث؟، كيف يثقون في «أمريكا وروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل»؟!.
دمشق قلب العروبة على وشك الانهيار، وسيذهب معها المشروع العربي الوحدوي ولن يعود مرة أخرى، وسيتحولون لمجرد سبايا إما لـ«إيران أو إسرائيل أو تركيا» ولن تنفعهم وقتها التبعية لأمريكا أو روسيا فالدول العظمى لا تعرف إلا الأقوياء.
النظام العربي الحالي الذي لم يستطع الحفاظ على تماسكه ولو لعقد واحد منذ تأسيسه في 1945، ذاب تماما ورضخ للتفاعلات الإقليمية ولم يستطع الحفاظ على استقلاليته وخصوصياته.
الأزمة السورية الحالية ستكون نقطة فاصلة في تاريخ المنظومة العربية ككل، فإما يكون لهم تواجد قوي في النظام الشرق الأوسطي الجديد، أو يخرجون منه بلا عودة، وهنا ستكون العواقب وخيمة والخسائر ستلامس الأحوال المعيشية للمواطنين العرب.
العرب تكبدوا خسائر فادحة في كل المعارك التي استهدفت اختراق منظومة وحدتهم، أحيانا بأيديهم وتارة أخرى متأثرين بقوة دفع التفاعلات السريعة للتغييرات الإقليمية التي شهدتها المنطقة التي تحتل صدارة اهتمامات الدول العظمى.
فالتاريخ يحدثنا كيف ساعدت معارك كـ«أزمة الأحلاف، والحرب الباردة العربية بين محاور التقدم والقومية والرجعية التي تبلورت بمواجهة ساخنة أثناء حرب اليمن في الحقبة الناصرية»، في تفتيت الإرادة العربية.
وكانت نكسة 1967 عاملا مؤثرا في تراجع المشروع القومي العربي الذي كانت تقوده القاهرة، بعد أن أصبح ملف تحرير سيناء يتصدر أولويات الإدارة المصرية، ورغم حالة الانزلاق في العلاقات بين الملك فيصل ملك السعودية والرئيس المصري أنور السادات وحاكم الإمارات الشيخ زايد بن خليفة، والتي ساعدت في تشكيل قوة عربية تمكنت في النهاية من فرض إرادتها وتحقيق نصر أكتوبر المجيد بفضل تنحية الخلافات والتأكيد على تشابك المصالح بين «القاهرة والدول النفطية الخليجية»، إلا أن مخطط إعادة هيكلة موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط تمكنت في فرض خلاف جديد حول التطبيع مع الكيان الصهيوني، ما أصاب المنظومة العربية بشرخ جديد هدأ قليلا مع مشاركة عدد من الدول العربية في مؤتمر مدريد للسلام 1991.
الهدوء لم يستمر كثيرا، ففشل الدول العربية في إيجاد حل سريع لأزمة حرب الخليج الثانية واحتلال العراق للكويت والاتجاه للاستعانة بدول غربية للمشاركة في عملية التحرير، ناهيك عن دور المتفرج في حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، وفيما بعد الغزو الأمريكي للعراق، قضى على أي أمل لوجود منظومة عربية يكون لها دور فاعل في الصراع داخل منطقة الشرق الأوسط.
في السابق كان الصراع في المنطقة يمثله مستطيل أضلاعه المشروع العربي ويمثله «مصر والسعودية وسوريا والعراق»، والصهيوني «إسرائيل بدعم مطلق من الولايات المتحدة»، والشيعي الفارسي «إيران بدعم روسي»، والتركي «معبرا عن تيار التقدم والإسلام الليبرالي ومدعوما من الولايات المتحدة وحلف الناتو».
أما الآن تحول ذلك المستطيل إلى مثلث بعد خروج الضلع العربي وتحوله لمجرد تابعين وأطراف خاملة بل بعضهم أصبحوا مجرد وكلاء للمشاريع الثلاثة الكبرى «الصهيوني والإيراني والتركي».
المشهد الحالي يجب أن يدفع الدول العربية للتوحد وإنقاذ ما يمكن إنقاذه فالخريطة الجديدة بدأت تتحدد وينقصه فقط لحظة إسدال الستار عن الأزمة السورية، وأي نتيجة غير خروج دمشق متماسكة ستكون هذه رصاصة الرحمة التي تطلق على نظام عربي كتب حكامه شهادة وفاته بالمراهقات السياسية.