بقلم د. محمد فؤاد: موازنة الوزير هاني قدري دميان
خاص سياسي
كل سنة في نفس التوقيت تخرج علينا وزارة المالية و الحكومة المصرية بالوهم السنوي الذي يعرف بالموازنة العامة. حيث تتميز مصر دون عن كل دول العالم باهتمام شديد بالموازنة و اغفال أشد للحساب الختامي.
المتمم الحسابي
و يلاحظ ان الحكومة تتبع تقليد بات مستهلك ومثير للشفقة الا وهو محاولة "فبركة" عجز موازنة تقديري دون ال ١٠٪ تحت ذريعة "انا لا اكذب ولكني اتجمل". وربما ابتدع هذا التقليد وزير المالية الاسبق هاني قدري دميان الذي داوم على تضخيم رقم الدخل وتحديدا الدخل الضريبي من اجل الوصول الي عجز متزن عن طريق استخدام الحصيلة الضريبية كمتمم حسابي.
حساب ختامي مفزع
وبمراجعة الاعوام السابقة نجد انخفاض الايردات في الموازنة بين المستهدف والفعلي بنسب وصلت الي ١٦٪ من الايرادات. ويتضح ان الايرادات الضريبية هي صاحبة النصيب الاكبر في الانخفاض فانخفضت بقيم (٢٤،٨٤ ، ١٥،٨ ، ٩٦،٦ ، ٥٢،٧ ، ٦٠،٤) مليار جنيه على التوالي و ذلك في الاعوام من ٢٠١١ الى ٢٠١٥.
و لم توضح الحكومة مطلقا اسباب انخفاض الحصيلة الضريبية خلال الاعوام السابقة ولم تشر الي الاجراءات التي اتخذتها او ستتخذها للتغلب على هذا العجز.
الربط على المربوط !!
ثم نجد مفاجأة موازنة ٢٠١٨ في الحصيلة الضريبية والتي بلغت ٦٠٤ مليار جنيه بزيادة ٤٠٪ عن الربط الضريبي السابق و دون ادنى انتباه للمتوقع الفعلي والذي سيقل بمقدار ٥٠ مليار جنيه عن المستهدف على احسن تقدير. وليس ذلك فحسب، بل انه بحساب المتحصلات الضريبية كنسبة من الناتج المحلي، نجد ان النسبة تحركت من ١٣٪ الي ١٥٪ دون اي تبرير واضح.
المزايدة على صندوق النقد
ونجد ان تقديرات صندوق النقد الدولي للعام المالي القادم تشير الي دخل ضريبي يبلغ ٥٨٤ مليار. اي ان الحكومة المصرية تزايد على حسابات صندوق النقد غير عابئة بالواقع المرير الذي لم ينتج ابدا اكثر من ٢٦ مليار جنيه متحصل ضريبي شهري، فتحاول المالية عبثا ان تصل بهذا الرقم الي ٦٠ مليار.
دروس سنة اولى تجارة
و يتذكر كل من حضر سنة اولى شعبة محاسبة ما يعرف بالمبادئ المحاسبية المقبولة عموماً و على رأسها:
- مبدأ مقابلة النفقات بالإيرادات
- مبدأ الإفصاح التام
- مبدأ الحيطة والحذر، والذي يعني تجاهل الأرباح التي لم تتحقق واخذ كل الخسائر المتوقعة في الحسبان وعدم تسجيل المكاسب المحتملة حتى تتحقق بالفعل.
و لكن يبدو انه لا احد يسأل ولا احد يهتم بالاجابة. فتاتي كل موازنة تحت ستار الضرورة ووجوبية التمرير وغياب البدائل.
نعرف تماما، ان الموارد محدودة وان الامكانيات لا تسمح لكن لا يجب ان تجبرنا امكانياتنا على الاستمرار في وضع موازنات مضللة لصانعي القرار ومضللة للجمهور والجهات الدولية. كيف لأحد ان يحاسب الحكومة ونحن نعلم مسبقا ان ارقامها مفبركة وغير حقيقية؟
ان اتباع الاسس والعلم يتطلب وضع موازنة تحترم القواعد المحاسبية و تحترم الواقع قبل ان تحاول استيفاء شكل او صورة ذهنية زائفة اثبتت الايام استحالة تحقيقها.
لقد ذهب الوزير هاني قدري دميان و ان الاوان ان تذهب موازنته...