بقلم أحمد نور الدين: هكذا تكون المبادرات
استوقفنى تحقيق للزميل الأمير نصرى باليوم السابع السبت الماضى، عن مبادرة جديدة لتيسير الزواج بالصعيد، تدعو لإلغاء النيش والسفرة وحجرة الأطفال وعشاء العروسة، بغية مواجهة غلاء المهور، وارتفاع الذهب، وحماية الشباب من الانحراف، إضافة لحملات نسائية لتوعية ربات البيوت في ذلك، فكان تثمينى وتقديرى لهذه المبادرة ولأصحابها، لتسليطها الضوء على قضية مجتمعية خطيرة تهدم مجتمعنا، وتحرم الكثير من شبابنا وفتياتنا من تكوين أسر صالحة به، نتيجة عادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان.
والقصة أن مبادرة نظمتها عائلة المجانين بقرية البارود التابعة لمركز المراغة محافظة سوهاج، شارك في اعلانها قيادات وعلماء دين، وأكثر من 200 شخص، دحرا لغلاء المهور وأسعار الذهب ومواجهة العنوسة، جاء فيها: اتفق اجتماع بيت العائلة على الآتى:1- إلغاء النيش بكامل مشتملاته ومحتوياته على الطرفين، 2- إلغاء السفرة، 3- إلغاء حجرة الأطفال ومشتملاتها، 4- إلغاء عشاء أهل العروسة، وألا يزيد ما يدفعه العريس لأهل العروسة على 8 آلاف جنيه، 5- الاقتصار على 7 سيارات لنقل جهاز العروسة، مع إلغاء السيارة الخاصة بالدى جي، والتأكيد على التزام الشباب بالأعراف والتقاليد والآداب السائدة فى البلدة، 6- إلغاء صندوق الساقع فى مواجب الأفراح والاكتفاء بنقطة توضع فى مظروف مؤقتًا لتقليل الخسائر من بيع الصناديق بعد الفرح بأقل من سعرها بكثير، 7- تقليل عدد صوانى عشاء ليلة الدخلة، والاكتفاء بعشاء ليلة الدخلة فقط، وتقليل بقية الطلبات، 8- إلغاء ليلة الحنة بكل ما فيها من كوافير ودى جى وخلافه، والعودة إلى عادات الأجداد من ذهاب نساء أهل العريس فقط لأهل العروسة، 9- عدم إقامة الأفراح فى قاعات الأفراح توفيرًا للنفقات، 10- الاقتصار فى الملابس والمفروشات والأجهزة والأوانى على المستخدم منها فقط.
هذه البنود ملزمة لجميع أبناء العائلة المقدمين على الزواج، وليست ملزمة على من أنهى اتفاقه قبل هذا الاجتماع، ويدعو أبناء العائلة جميع عائلات البلدة للمشاركة فى هذه المبادرة، وتقديم اقتراحات أخرى للتيسير على الشباب وأولياء الأمور.
وبكل لغات التثمين والتقدير والتحية، أقدمها لأصحاب تلك المبادرة، حاثا كل طوائف المجتمع بأسره، بأن يتقوا الله في شبابنا، وينتهجوا نهج ديننا في التيسير عليهم، ذلك أن إسلامنا جعل الزواج سبيلا وحيدا لتكوين الأسرة، بالشكل الذي يحفظ الحرمات والأعراض والأنساب، ملبيا وواضعا الغرائز الطبيعية في إطارها العفيف، محققا لطرفي الزواج ما يبحثان عنه من سكن واستقرار، ومودة ورحمة بتلك العلاقةِ الشريفة، يقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
بل إن رسول صلى الله عليه وسلم يأمر شبابنا القادرأمرا إلى تحقيق هذه السنة الربانية، مشيرا لفوائد ذلك ومنافعه قائلا:" يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ؛ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ".
يقول فضيلة الشيخ السيد طه تحت عنوان "الأسرة المسلمة التي ننشدها": أنه يمكن إجمال أهداف تكوين الأسرة عبر ثلاث نقاط رئيسية: الهدف الاجتماعي: الذي يتحقق به تماسك المجتمع وترابطه وتوثيق عرى الأخوة بين أفراده وجماعاته وشعوبه بالمصاهرة والنسب قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا)، ثانيها الهدف الخلقي: إذ اعتبر الإسلام بناء الأسرة وسيلة فعّالة لحماية أفرادها شيبا وشبابا، ذكورا وإناثا من الفساد، ووقاية المجتمع من الفوضى، ثم ثالثا: الهدف الروحي: حيث بناء الأسرة خير وسيلة لتهذيب النفوس وتنمية الفضائل التي تؤدي إلى قيام الحياة على التعاطف والتراحم والإيثار، حيث يتعود أفرادها على تحمل المسئوليات، والتعاون في أداء الواجبات.
وقد أمر شرعنا الحنيف أن يكون معيار اختيار الزوج أو الزوجة تمام وصلاح الدين والأخلاق، لا حسبه ونسبه وماله، وما سيأتى به من كماليات فارغة، لذلك نجد نبينا يأمرنا قائلا: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، وفى رواية أخرى "وفساد عريض"، وأمر الزوج باختيار الزوجة الصالحة ذات الدين، فقال صلى الله عليه وسلم: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"، وعن عائشة قالت: قال رسول الله: "تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم"، ولما سئل الإمام على إن لي ابنة لمن أزوجها؟ قال: "لا تزوجها إلا لتقي، إن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها"، فلتبحث ولى الأمر في زوج ابنتك أو أختك عن دينه أولا، ثم عن صلاح خلقه ثانيا، ثم ابحث هل له عمل أو وظيفة، له سكن، هل هو كفؤ لها أم لا؟ والكفاءة تكون في التدين والالتزام والورع والوظيفة والحسب والنسب.
لذا أرى أن من المهلكات التى تدفع بمجتمعاتنا العربية والإسلامية نحو الهاوية والدمار، تلك الآفة الخطيرة المسماة تعسير أمر الزواج لشبابنا وفتياتنا، ذلك أننا أدرنا ظهورنا وجنوبنا الى تعاليم ربنا سبحانه القائل: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"، وقوله تعالى: "لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ"، كفرا بنعمه، وتمسكنا بتقاليد وعادات جاهلية.
وهذا نبينا-صلى الله عليه وسلم- يحثّعلى تيسير أمور الزواج حثا، حين قال فيما روته عنه أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (أعظمُ النساءِ بركةً؛ أيسرُهنَّ مؤنةً)، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في تزوجه وتزويجه، وهدي صحابته رضي الله عنهم التيسير وتقليل مؤنته، فعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "تزوج ولو بخاتم من حديد"، بل إن صحابته الكرام كانوا يعرضون بناتهم على بعضهم البعض، طلبا لتزويجهم، دون غضاضة، أو حرج في ذلك، وما أحوجنا أن نعود لتلك السنن المباركة، والتي أدعو إليها من خلال مقالى هذا.
هناك قاعدة عظيمة في ديننا تقول: "من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه"، ما أحوجنا أيها الآباء، والأمهات، وكل ولاة الأمور، أن نؤمن بها ونتيقنها سبيلا في حياتنا، ومعاملاتنا، ومنها موضوع المغالاة في المهور، والتمسك بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان تعوق وتعرقل وتفشّل مسيرة زيجات كثيرة، نعم عوّضه الله خيرا منه في الدنيا قبل الآخرة.
وليعلم كل رب أسرة أنه مسئول عن أسرته وأولاده يوم القيامة؛ لما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: "إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته"، فلا تنساقوا خلف عادات وتقاليد خربة، نتنة، بالية، تحرم مجتمعنا من إقامة أسرة مسلمة جديدة، تكون نواة صالحة وغرسا طيبا يؤتى ثماره اليانعة الطيبة له، ولديننا، وتلمسوا وصايا إسلامنا بالتيسير في أمر الزواج، وإزالة كل العقبات التي تواجه شبابنا، واعلموا أن من يسر حلالا فقد عسر حراما، ومن عسر حلالا فقد يسر حراما،والمرأة كالثمرة إذا حان قطافها وتأخرت عن حان القطاف فسدت، وكذلك الرجل.