بقلم أمينة خيري: رياح التغيير
شهر يناير ينشط الذاكرة، ويوقظ الذكريات، ويؤلب المشاعر في كل الاتجاهات. ملايين المصريين عايشوا "رياح التغيير"، وتفاعلوا – سلبًا وإيجابًا – مع روح يناير، وتوقعوا إنجازات ومصائب مع تلبد السماء في شتاء 2011 بدعوات التغيير.
وبعيدًا عما آلت إليه هذه الرياح من نتائج وأسفرت عنه من توجهات، فإن دراسة أثر هذه الرياح على عموم المصريين أمر بالغ الأهمية. ولا يصح أن ندرج فصلاً أو صفحات أو حتى كلمات في مناهجنا الدراسية عن "رياح التغيير" في يناير إلا بعد دراسة مستفيضة لآثارها على الشخصية المصرية بغض النظر عن توجهاتها.
المؤكد أن التوجه العام لدى الأغلبية كان تواقًا للتغيير، أي تغيير. فقد تمكن الملل، وهيمن الجمود على مظاهر الحياة وتفاصيل العيشة اليومية، حتى بات البعض يحلم بالتغيير بهدف التغيير. بالطبع كانت هناك قاعدة عريضة تتمنى التغيير لأسباب عملية بحتة، وأهداف مادية صريحة، حيث الطفرة الاقتصادية المتحققة التي صبت في قنوات بعيدة عن العامة، والإنجازات الضخمة لم تكن موجهة إلى أولئك القابعين في قاعدة الهرم، لكن بقيت "رياح التغيير" هدفًا في حد ذاتها، دون تحديد أو التخطيط لما بعد التغيير.
وما بعد التغيير في يناير 2011، وما تلاه من أعوام أعطتنا بدلاً من التغيير الواحد عشرات التغييرات، وجد المصري نفسه وقد تغيرت جوانب من تركيبته وتحولت أهواؤه وأمنياته وأحلامه وكذلك توتراته ومكامن قلقه.
يبدو القلق واضحًا على الجميع بعد مرور ثماني سنوات على ثورة يناير 2011. لكن الآثار لا تقتصر القلق وحده. فهناك توتر، وتحفز، وتربص، وتطلع. وهناك كذلك ميل مفرط للانتقاد والاعتراض والبحث عن القطط "الفاطسة" في كل كبيرة وصغيرة. والحقيقة أن من حق المواطن الذي عاش الجانب الأكبر من سنوات عمره يعاني الأمرين من أجل تأمين حياة تقترت من خط الكرامة، أو تلامس بديهيات المتطلبات أن يقلق ويتوتر. ومن حقه كذلك أن يعترض وينتقد، لا سيما وهو يرى أن خانة الاعتراض فارغة ومقاعد الانتقاد مهجورة.
حتى تلك الأحزاب بأنواعها بين كرتونية وهيكلية ومصارعة من أجل البقاء ومتصنعة المعارضة للبقاء على قيد الحياة الحزبية في سنوات ما قبل يناير 2011 لم تعد موجودة. وحتى تلك البرامج التليفزيونية التي كانت تتحدث باسم المواطن المقهور أو العامل المظلوم أو السيدة التي تدوخ السبع دوخات من أجل الحصول على معاش مستحق اختفت من على الشاشات وظهرت بدلاً منها برامج يبدو إنها متخمة بصوت المواطن، ومتطلبات الفقراء، وشكاوى المرضى، وآهات المتضررين إلخ، إلا أن هناك شعورًا ما بأنها تفتقد عنصر التلقائية.
وعلى الرغم من أن سيرة "يناير" تكاد لا تذكر من قريب أو بعيد في الشارع المصري رغم أن ذكراها الثامنة على الأبواب، ورغم أن آثارها المباشرة وغير المباشرة والجانبية تفرض نفسها على كل بيت وشارع ومواطن مصري، إلا أن الأثر الأكبر الذي ألقى بظلاله – الإيجابي منها والوخيم- ما زال بعيدًا عن الاهتمام.
أهتم كثيرًا بمتابعة الشخصية المصرية. والشخصية المصرية التي شغلت علماء الحملة الفرنسية، والعبقري جمال حمدان، والراحل جلال أمين، وغيرهم الآلاف من الدول والمؤسسات والمراكز والأفراد تستحق البحث فيما لحق بها من تغيرات بفعل "رياح التغيير". شكوى أكثر؟ قلق أكبر؟ مقاومة لمزيد من تغيير أعلى؟ غمامة ترفض رؤية الصورة الأكبر؟ ثقة أقل؟ عشوائية أوسع؟ كراهية للقانون والتنظيم أوضح؟ تنظير ورغبة في الإفتاء أضخم؟ خلط للدين بالسياسة أكثر؟ شك في الدين والسياسة أوسع؟ رضا أقل؟ رغبات آنية أكثر؟
أسئلة لا تحتمل التأكيد أو النفي لأنها تظل ملاحظات لا تستند إلى أسانيد علمية. لكن التعامل مع الشخصية المصرية، لا سيما في أطوار التغيير، لن يستوي إلا بمعرفة ما تعرضت له، وكيف تفاعلت معه وذلك في ضوء "رياح التغيير".