بقلم د. جمال عبد الجواد: الغش في امتحان مفتوح الكتاب!!
خطة الوزير طارق شوقي لإصلاح التعليم ليست الخطة الأفضل، والطريقة التي أدار بها عملية الإصلاح لم تخل من الأخطاء، لكن ليس لهذا صلة بتسريب امتحانات الصف الأول الثانوي، فمن قاموا بذلك هم مجرمون معادون لأي إصلاح.
أفهم أن يتحمل البعض عناء سرقة امتحان الثانوية العامة وتسريبه، وأن يتحمل تلاميذ وأولياء أمور مشقة المغامرة، فيبحثون عن الامتحان المسرب ويدفعون في مقابله مالا. أفهم كل هذا لأن الهدف واضح ومنطقي، وإن لم يكن مشروعا، وهو إنجاح التلاميذ في سنة مفصلية تحدد مستقبلهم. لكني لا أستطيع أن أفهم تسريب الامتحانات التجريبية لطلاب الصف الأول الثاني، وهي الامتحانات التي يتم إجراؤها لأول مرة بنظام الكتاب المفتوح؛ بحيث بدا الأمر وكأنه عبث تام، فلا شيء في امتحان هذه مواصفاته يستحق عناء التسريب والغش.
كان هذا هو رأيي حتى فكرت في الموضوع جيدا فتوصلت إلى أن الأمر يستحق العناء في هذه المرة أكثر من أي مرة سابقة تم فيها تسريب الامتحان؛ فالمطلوب هذه المرة هو تقويض جهود الإصلاح الجاري تطبيقها، والسخرية من القائمين على الإصلاح ونزع المصداقية عنهم. فلو نجحت سياسة إصلاح التعليم الراهنة، ولو صدقت وعود المسئولين من أن التلاميذ لن يكونوا محتاجين مستقبلا للحفظ؛ وأن المدرسة ستستعيد دورها باعتبارها المكان الرئيسي لتلقي العلم، وأنه لن تكون هناك حاجة للدروس الخصوصية أو الكتب الخارجية مع التقدم في تطبيق نظام التعليم الجديد. لو حدث كل هذا فعلا فإن مصالح كبيرة بمليارات كثيرة ستتضرر. أتحدث عن بيزنس المدرسين الخصوصيين والسناتر والكتب الخارجية؛ وأتحدث أيضا عن الإداريين وأصحاب المدارس الخاصة الذين يتوقع منهم النظام الجديد أخذ التعليم في المدارس بجدية، والكف عن أداء أدوار سخيفة في مسرحية التعليم الهزلية الجارية الآن، محاولين إقناعنا بأن ما يفعلونه هو التعليم.
المغزى الأهم لتسريب امتحانات الصف الأولى الثانوي هو أن الجهاز الإداري الذي يعتمد عليه الوزير لإنجاز الإصلاح غير مقتنع بما يحاول الوزير تطبيقه، والأكثر من هذا هو أنه جهاز فاسد مخترق من جانب أصحاب المصالح الذين يجمعون ثروات هائلة من بيزنس التعليم، وأن فيه من هم متواطئين لإفشال الإصلاح من الداخل. إنه حصان طروادة داخل وزارة التربية والتعليم.
هل تذكرون التابلت الذي يحتل مكانة مركزية في خطة إصلاح التعليم الثانوي. لقد انتصف العام الدراسي ولم يتسلم التلاميذ التابلت بعد. وبعد أن كان المسئولون يعدوننا في كل أسبوع بأن التابلت سيكون في أيدي التلاميذ في الأسبوع التالي، فإنهم الآن كفوا عن الكلام عن الموضوع بعد أن تم تأجيله للفصل الدراسي الثاني؛ فما الذي حدث؟ في غياب الشفافية والمعلومات يحق لنا أن نقوم ببعض الاستنتاجات. لقد ورطت البيروقراطية الوزير المسئول في إطلاق الوعود عن جاهزية التابلت، ويبدو أنها نجحت رغم ذلك في الإفلات من الحساب، فليس هناك أسهل على البيروقراطية من إيجاد الأعذار الإدارية والمالية والإجرائية للتهرب من المسئولية؛ وفي تقديري أن الغرض من كل ذلك لم يكن سوى الإساءة لخطة الإصلاح، فالمواطنون لا يعرفون زيد أو عبيد من الموظفين، وإنما فقط يعرفون الوزير المسئول.
يأتي وزير التعليم من خارج بيروقراطية الوزارة. وفي وزارة قديمة هائلة الحجم مثل التعليم فإن الهابطين بالمظلات من الوزراء يجدون أنفسهم في موقف شديد الصعوبة، فالبيروقراطية يمكنها التلاعب بهم كما تريد، فتقدم لهم حلو الكلام وتظهر لهم الطاعة، فيما تعمل على إفشالهم بإصرار. الوزير طارق شوقي ليس فقط من خارج بيروقراطية التعليم المتكلسة، لكنه أيضا خواجة قادم من اليونسكو والجامعات الأمريكية، ويحظى هذا الصنف بالذات بكراهية خاصة من جانب الموظفين، فهو صنف من الناس يفكر ويتحدث وينفذ بطريقة لا يستطيعون فهمها، ولا تخلو من تحقير للطريقة التي يعملون بها. لقد تحدث الوزير عن الإصلاح من اليوم الأول لدخوله الوزارة، وهذا هو سبب اختيار القيادة السياسية له لهذه المهمة، أما بالنسبة للبيروقراطية فإنها تستنكر على ذاك الهابط بالمظلة حديثه عن الإصلاح، وكأنه يقول لهم أن ما كانوا يفعلونه طوال السنين كان خطأ، وأنه جاء ليعلمنا كيف ندير التعليم بطريقة سليمة. دعه يجرب حظه، وسنريه إن كان على حق.
لقد استهدف المجرمون تقويض الإصلاح، والإبقاء على الأوضاع في التعليم كما هي، وقد فازوا ببعض النقاط. لقد بدا وزير التعليم في تصريحه الذي تلى واقعة تسريب امتحان الصف الثانوي الأول منفعلا ويائسا، وهذا بالضبط هو ما يسعى إليه المخربون، أما المطلوب الآن فهو تقديم الإسناد الضروري من جانب المجتمع والقيادة السياسية لعملية الإصلاح، والإسراع بتطهير بيروقراطية التعليم من النفوس الخربة وعملاء جماعات المصالح.