بقلم محمد كمال: حياة بدون حكومة
مر شهر على إغلاق الحكومة فى الولايات المتحدة، وبالتالى توقف بعض الخدمات التى تقدمها الدولة للمواطنين من خلال الموظفين الحكوميين نتيجة لعدم تلقيهم رواتبهم بسبب الخلاف بين ترامب والكونجرس حول الموازنة الفيدرالية، ورفض الكونجرس إدراج التمويل اللازم لإنشاء جدار بين الولايات المتحدة والمكسيك لمنع الهجرة غير الشرعية، كما اقترح ترامب.
ودون الدخول فى تفاصيل الخلاف والعناد بين ترامب والكونجرس، فإن الجدير بالملاحظة هو أن الحياة مستمرة بالرغم من الإغلاق الحكومى، وبالرغم من عدم حصول 800 ألف موظف فيدرالى (من أصل 2 مليون) على رواتبهم، وتوقف بعض الخدمات الحكومية، فإن الحياة اليومية لغالبية المواطنين الأمريكيين تسير بشكل طبيعى، والتأثير على أكبر اقتصاد فى العالم ما زال محدودا.
صحيح أن الإغلاق الحكومى جزئى وليس كليا، ولكن هناك أسبابا أخرى توضح استمرار الحياة فى الولايات المتحدة رغم الإغلاق، وهى تقدم دروسا لدول أخرى فى التنظيم الرشيد لإدارة الدولة. ويمكن تلخيص هذه الأسباب فى العبارات التالية: حكومة صغيرة، حكومة لا مركزية، حكومة إلكترونية.
بالنسبة للحكومة الصغيرة، فالولايات المتحدة لديها حكومة من أصغر الحكومات قياسا لحجمها الاقتصادى، سواء من حيث عدد الموظفين بها، أو حجم تدخل الحكومة المركزية فى النشاط الاقتصادى وتقديم الخدمات. وهناك قطاع كبير من الأمريكيين يؤمن بأن الحكومة وتدخلها ليس دائما هو الحل، وفى أحيان كثيرة تكون المشكلة، وبالتالى فإن الدور المحدود للحكومة الفيدرالية الأمريكية ساهم فى ألا يشعر غالبية المواطنين بإغلاقها.
كما أن النظام الفيدرالى الذى تطبقه الولايات المتحدة، ويمثل أعلى مستويات اللامركزية، يعطى السلطات الأكبر لحكومة الولايات والحكومة المحلية، والتى تتولى إدارة أغلب الأنشطة العامة مثل التعليم، وتعتمد بالأساس على ميزانيتها التى تمولها الضرائب التى تقوم بتحصيلها محليا، وتحصل على مخصصات محدودة من الموازنة الفيدرالية التى لم يوافق عليها الكونجرس بعد، والكثير من الولايات تساهم فى هذه الموازنة من خلال ضرائب الدخل التى تحصلها الحكومة الفيدرالية، أكثر مما يعود عليها منها. وبالتالى فإن لا مركزية السلطات ولا مركزية التمويل ساهمتا فى عدم شعور المواطن بإغلاق الحكومة المركزية.
وأخيرا أدى انتشار الخدمات الإلكترونية التى تقدمها الحكومة دون الحاجة لتفاعل بشرى إلى ضعف تأثير الإغلاق.
باختصار، الحكومة الأفضل وحكومة المستقبل، هى الحكومة الأصغر، والحكومة اللامركزية، والحكومة الإلكترونية، والأمر لا يقتصر فقط على الولايات المتحدة الأمريكية.