بقلم د.جاب الله أبوعامود: مقتل جمال خاشقجي جريمة دولية

المستشار الدكتور جاب الله أبوعامود رئيس المنتدى القانوني وعضو شبكة المحامين المصرية للدفاع عن الصحفيين والمدونين
المستشار الدكتور جاب الله أبوعامود رئيس المنتدى القانوني وعضو شبكة المحامين المصرية للدفاع عن الصحفيين والمدونين

أثارت قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي الكثير من الجدل في الأوساط القانونية، بل وشغلت الكثير من فقهاء القانون خاصة في موضوع من يتابع التحقيق والحكم فيها؛ حيث إن هناك جانبًا يرى أن هذه قضية داخلية للسلطة السعودية لا شأن للمجتمع الدولي بها سوى فقط المتابعة ولا يحق تطبيق القانون الدولي عليها أو محاولة تدوليها؛ فهي قضية قتل عادية من مواطنين سعوديين ضد مواطن سعودي داخل سفارة سعودية.


بينما يعارض رأي آخر هذا الكلام –وأنا منهم– حيث إن كانت القضية تبدو لأول وهلة قضية داخلية بينما هي وفقاً للقانون الدولي تعد من الجرائم الدولية التي تتعدى على حقوق الإنسان والتي أصبحت هذه الحقوق محل اهتمام وعناية المجتمع الدولي ومحمية بموجب القانون الدولي الجنائي، القادر على إيقاع الجزاء على من يعتدي عليها أو يعرضها للخطر.

فالحق في اﻟﺤﻴﺎة ﺣﻖ ﻣﻼزم ﻟﻜﻞ إﻧﺴﺎن، واﻟﻘﺎﻧﻮن ملزم على حماية ﻫﺬا اﻟﺤﻖ فلا ﻳﺠﻮز ﺣﺮﻣﺎن أﺣـﺪ ﻣـﻦ ﺣﻴﺎﺗـﻪ ﺗﻌﺴـﻔﺎً، فالمادة السادسة ﺑﻔﻘﺮاﺗﻬﺎ اﻟﺴﺖ ﻣﻦ اﻟمعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية -والذي يعد أحد أركان الشرعية الدولية في حقوق الإنسان- ﺗﻨﺺ على ﺣﻖ اﻟﻔﺮد في اﻟﺤﻴﺎة وأﻧﻪ ﻻ ﻳﻨﺰع ﻣﻨﻪ ﻫﺬا اﻟﺤﻖ ﺗﻌﺴـﻔﺎً وﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮز إﻳﻘﺎع ﻋﻘﻮﺑـﺔ اﻹﻋـﺪام - في اﻷﻗﻄـﺎر اﻟﺘـﻲ لم ﺗﻠـﻎ ﻫـﺬه اﻟﻌﻘﻮﺑـﺔ - إﻻ ﺟـﺰاءً ﻋـلى أﻛـثر اﻟﺠﺮاﺋﻢ ﺧﻄﻮرة، وﺑﻌﺪ ﺻﺪور ﺣﻜﻢ ﻧﻬﺎئي ﺻﺎدر ﻣـﻦ ﻣﺤﻜﻤـﺔ ﻣﺨﺘﺼـﺔ وﻓـﻖ اﻟقانون .

ﻓﻨﺼﻮص ﻫﺬه المادة ﺗﻔﻴﺪ ﺗﺠﺮﻳﻢ ﻛﻞ ﻓﻌﻞ ﻓﻴﻪ ﻣﺴﺎس ﺑﺤﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎن، أو ﺣﺮﻣﺎﻧﻪ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻌﺴﻔﺎً ﻧﺎﻫﻴﻚ على أن ﻋﻘﻮﺑﺔ اﻹﻋﺪام ﻟﻴﺴﺖ اﻋﺘﺒﺎﻃﺎً ﻳﻮﻗﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﻮض إﻟﻴﻪ اﻷﻣﺮ ﺣﺴﺐ ﻫﻮاه، وﻟﻜﻨﻬﺎ وﻓﻖ أﺣﻜﺎم ﻧﺎﻓﺬة أﺛﻨﺎء ارﺗﻜﺎب ﺟﺮم ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﻌﻘﺎب ﻓﺎﻹﻋﺪام ﺑﺪاﻓﻊ سياسي أو ﺧﺎرج ﻧﻄﺎق اﻟﻘﺎﻧﻮن أو ﺑﺸﻜﻞ ﺗﻌﺴﻔﻲ واﻟﻮﻓﺎة اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ اﻟﺘﻌﺬﻳﺐ واﻻﺧﺘﻔﺎء القسري.. ﻛﻞ ﻫﺬا ﻳﻌﺪ جريمة تمس ﺣﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎن ويعاقب عليها القانون الدولي الجنائي باعتبارها تشكل انتهاكاً لتلك المصالح المعتبرة في المجتمع الدولي ومعنية باهتمام الجماعة الدولية ككل .

وبالنظر في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل السفارة الخاصة ببلده في إحدى الدول الأجنبية لا تعد هذه الجريمة وفقا لهذا المفهوم السابق جريمة داخلية – لكون الجاني والمجني عليه سعوديين وتم في أرض سعودية (السفارة السعودية التي تعد وفقا للقانون الدولي أرض سعودية) –تختص بها السلطة السعودية في التحقيق والحكم، بل هي حسب القانون الدولي الجنائي جريمة دولية ضد حقوق الإنسان التي أصبحت مناط الحماية الدولية؛ ومن ثم فإن المختص بالتحقيق فيها وإيقاع الجزاء هي المحاكم الدولية إنفاذاً للقانون الدولي الجنائي وتطبيقاً للمعاهدات الشارعة الحامية لحقوق الإنسان.

فمقتل خاشقجي من قِبل رجال في السلطة السعودية يعد خارج نطاق القانون فهو لم توجه له أي تهمة ولم يخضع للتحقيق والمحاكمة، بل وحتى لو افترضنا جدلاً ولأبعد الحدود –وذلك لم يحدث– أن مقتله هذا كان تنفيذاً لحكم بالإعدام فهذا أيضاً مخالف للقانون الدولي فهو إعدام بدافع سياسي وليس جزاء جرم جنائي، فمن المعروف أنه صحفي معارض للسلطة الحاكمة في بلده وأن من قاموا بذلك كانوا ينفذون تعليمات عليا، بل وأن الصفة الرسمية لأشخاص المشتبه فيهم بقتله تعد قرينة قاطعة أنها جريمة ذات طابع دولي تمت بشكل خرج عن القانون، ولا تعفي الصفة الرسمية للجناة –إن ثبت تورطهم بذلك– من العقاب ولا كونهم ينفذون أوامر رئيسهم الأعلى، بل يعد هنا رئيسهم الأعلى شريكًا في الجريمة ويناله نفس العقاب؛ فمقتل خاشقجي كان بطريقة بشعة بعد تعذيب وأية ذلك عدم ظهور جثته حتى الآن خوفا من تكشف ذلك الأمر .

ومن ثم فإن هناك واجب يقع على مجلس الأمن بأن يحيل هذه القضية للمحكمة الجنائية الدولية لتتولي التحقيق فيه أو على الأقل يشكل له فريق خاص للتحقيق تمهيداً لإحالته لمحكمة جنائية دولية مثلما تم في مقتل رئيس وزراء لبنان عمر الحريري .

وإن كانت أمريكا تبتز السلطة في السعودية للحصول على مليارت الدولارات لكي تغض الطرف عن هذا الموضوع وتجهد أي محاولة لتدويله لما تتمتع به من سلطات دولية واسعة على الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فعاجلاً أم آجلاً ستتخلى أمريكا عن ذلك الموقف بعدما تحصل على مرادها من أموال حتى تظهر للعالم وكأنها -كما تدعي- الحامي الأول لحقوق الإنسان في العالم. وبغض النظر عن تلك المواقف السياسية فإن الموقف القانوني السليم كما أوضحنا أنها جريمة دولية يختص بها القانون الدولي الجنائي سواء بالتحقيق أو المحاكمة وتطبيق الجزاء .