بقلم د.جاب الله أبوعامود: مصر ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية

جاء خطاب السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسي في أكثر من لقاء دولي آخرها في منتدى شباب العالم بشرم الشيخ في مقتبل الشهر الجاري بضرورة الدفاع عن الإنسانية والوقوف حائلاً لكل ما يهدد تلك القيم والمباديء المشتركة بين بني البشر والتصدي بكل قوة للجرائم التي ترتكب ضد الإنسان.

وحيث إن مصر هي أكبر الدول العربية بل وأكبر دول المنطقة كافة قيمة ومكانة وبفضل الله الأكثر أمناً واستقراراً فيقع على عاتقها مسئوليات جسام تجاه حفظ الأمن والسلم الدولي في المنطقة، بل وحماية حقوق وحريات الإنسان فيها.

ولعل المجتمع الدولي اهتم كثيراً ولا يزال يهتم بحقوق الإنسان ومبادئ الإنسانية، فبعد الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها ملايين البشر أنشئت الأمم المتحدة كمنظمة دولية تهدف في المقام الأول لحماية الإنسان بمنع تكرار تلك الحروب وتحريمها وحل أي نزاع بالطرق السلمية والتصدي لكل ما يهدد الأمن والسلم الدوليين؛ فعُقدت محاكمات جنائية دولية لمجرمي الحرب الذين ارتكبوا مجازر ضد الإنسانية أثناء الحرب (محاكمات نورمبرج، محاكمات طوكيو)، ثم بعد ذلك في تسعينات القرن الماضي (محاكمات يوغسلافيا، محاكمات رواندا) وبالنسبة لعالمنا العربي (محاكمات مقتل الحريري، محاكمات الرئيس العراقي صدام حسين) بل وهناك مذكرة استيقاف ضد الرئيس السوداني عمر البشير.

كل هذه المحاكمات الجنائية عقدت لحمايه الإنسانية من تلك الجرائم التي ارتكبت وتسببت في أذى كبير للبشر.

فمما لا شك فيه أن العالم الآن أصبح قرية صغيرة بل وأن المجتمع الدولي أصبح في تداخل قوي مع كافة الدول مما غيّر المفهوم التقليدي للسيادة الدولية، وأصبح المعول عليه مدى ما تتمتع به الدولة من قوى في العلاقات الدولية تفرض به تواجدها في قرارات المحافل والمنظمات الدولية.

من جميع ما سبق ووفقاً للجهود التي بذلتها الدولة المصرية الحديثة في حفظ الأمن والسلم الدوليين وحماية حقوق الإنسان لكونه إنسانًا، وحفاظاً على القاسم المشترك بين بني البشر ودفاعاً عن الإنسانية فإنني أقترح انضمام مصر لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وذلك لعدة أسباب نجملها في الأتي:

1-    يعزز ذلك ويدعم بقوة ما تقوم به مصر من جهد في الحفاظ وحماية حقوق الإنسان؛ حيث إن هذه المحكمة الجنائية الدائمة تختص بجرائم الحرب وجرائم العدوان وجرائم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية.

2-    كون انضمام مصر –وهي الدولة الأكبر في الوطن العربي والمنطقة– لهذه المحكمة يعطي لها أولوية كبرى في الحق –وفقاً لنظام المحكمة– في إحالة ما تراه جريمة من الجرائم التي تختص بها المحكمة للتحقيق فيها من مكتب ادعاء المحكمة، بل ويجوز لها المشاركة في ذلك التحقيق، ومن ثم يفتح هذا باب الشرعية الدولية –وفقاً للقانون الدولي– في مكافحة الجرائم ضد الإنسانية خاصة وأنه لا يوجد دولة عربية أخرى منضمة للمحكمة الجنائية الدولية سوى الأردن وهي دولة صغيرة في الحجم والمكانة بالنسبة لمصر.

3- يتيح هذا الانضمام الحق لمصر في تقديم طلب للجمعية العامة للدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية في تعديل نظام المحكمة ليشمل بالإضافة للجرائم الأربعة السابقة جريمة الإرهاب الدولي، لما لهذه الجريمة من خطر يهدد الأمن والسلم الدوليين ولما يشكله الإرهاب من خطر على الإنسانية، وقد نادت مصر في كافة المحافل الدولية بضرورة مكافحة الإرهاب والتصدي له وتجفيف منابعه لما يشكله من خطر كبير على الإنسانية واعتبرت محاربته حقًا من حقوق الإنسان.

4-    يحق لمصر بعد ذلك التقدم بطلب للمحكمة الجنائية الدولية ضد تلك الدول الداعمة لإرهاب (تركيا، قطر، سوريا، ليبيا) باعتبارها دول شريكة في هذا الجرم الدولي –بل ويجوز حتى في حالة إن لم يضَف الإرهاب كجريمة لنظام المحكمة التقدم بذلك الطلب إذا ما أصبحت مصر عضوًا في المحكمة باعتبار ما تقوم به تلك الدول جرائم ضد الإنسانية– بل ويجوز الطلب من المحكمة وفقاً للاختصاص العالمي للمحاكم الجنائية أن تكون محاكمة قادة تلك الدول على الأراضي المصرية.

5-    بالانضمام للمحكمة الجنائية الدولية يكون لمصر الحق في ترشيح قاضٍ ومدعٍ عام للمحكمة.

6-    يحدث هذا الانضمام نوعًا من التوازن في العلاقات المصرية الدولية خاصة مع الدول الكبرى وبالأخص مع الولايات المتحدة الأمريكية –التي انضمت على مضض في عهد الرئيس كلينتون ثم انسحبت في عهد الرئيس جورج بوش الابن– وأخذت على عاتقها عرقلة المحكمة خوفاً على جنودها من المُلاحقة وعلى حليفتها إسرائيل لما ترتكبه من جرائم في حق الشعب الفلسطيني؛ فإذا ما انضمت مصر بحجمها وقدرتها في المنطقة يحدث ذلك بلا شك تأثيرًا كبيرًا في موازين تلك الدول.

7-    لا يخفى عليكم محاولة قيام الجماعة الإرهابية من تقديم شكوى للمحكمة الجنائية الدولية ضد مصر عقب أحداث فض اعتصامي رابعة والنهضة، وبانضمام مصر لنظام المحكمة يعد ذلك ضربة قاصمة لهذه الجماعة.

صحيح إن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية –وفقاً لنظامها الأساسي– بالمحُاكمة والتحقيق في الجرائم هو اختصاص قاصر على تلك الدول الأعضاء فيها وبشرط ألا تتولى بدء ذلك –حيث إن اختصاصها احتياطي للمحاكم الوطنية– إلا أنه يجوز وفقاً لمبدأ الإحالة أن يحيل لها مجلس الأمن قضية ما للتحقيق والمحُاكمة لما له من سلطة واسعة للتصدي للقضايا التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، حتى وإن لم تكن الدولة المحالة طرفًا في نظام المحكمة الجنائية الدولية، وهذا ما حدث مع السودان في أزمة إقليم دارفور؛ بل وهناك اتجاه فقهي قوي ينادي بأن نظام المحكمة الجنائية الدولية بات من المعاهدات الدولية الشارعة التي تقنن العرف الدولي مما يلزم كافة دول المجتمع الدولي سواء المنضم للمحكمة أو غير المنضم، وفقاً لذلك فإن للجمعية العامة للدول الأعضاء سلطه في واسعة في التصويت والترشيح ومن ثم تأثير بشكل أو بآخر على المحكمة؛ بل ويحق للدول الأعضاء إحالة قضية ما للمحكمة حتى وإن لم تكن الدولة عضوًا في نظام المحكمة.

مما يحقق النفع العام والقوة في العلاقات الدولية ويحافظ على الهدف الأسمى وهو حماية الإنسانية وحقوق الإنسان.