بقلم د.جاب الله أبوعامود: مصر الثعبان العربي الجديد في نفق الاقتصاد الدولي
خاص سياسي
في أعقاب الحرب العالمية الثانية تخلت الدول عن قاعدة الذهب كمعيار وقاعدة لتوحيد سعر الصرف للعملات الأجنبية، إلا أن أمريكا أرادت أن يتفوق الدولار على الاسترليني فوضعت مبدأً هاماً في اتفاقية بريتن وودز عام 1945 –الاتفاقية الخاصة بإنشاء صندوق النقد الدولي– وهو استمرار تعهد أمريكا باستبدال الدولار بالذهب والعكس بواقع سعر 35 دولار للأوقية، وظل الحال على هذا المنوال حتى أصبح لدى أمريكا نصف الاحتياطي العالمي من الذهب بواقع 574 مليون أوقية في نهاية الحرب العالمية الثانية.
وبذلك أصبح الدولار ذا انتشار عالمي واسع؛ حيث إن الدول تطمئن أنه يقابل رصيداً من الذهب وأصبح عملة مقبولة عالمياً، حيث أصبح الاحتياطي النقدي من العملات لدى غالبية دول العالم هو الدولار، حتى 15 أغسطس 1971 حينما خرج الرئيس الأمريكي "نيكسون" بإلغاء هذا التعهد وتحرير سعر صرف الدولار فيما سمى بـ"صدمة نيكسون"، وحين استنكرت دول أوربا ذلك رد عليهم وزير الخزانة الأمريكي بمقولته الشهيرة (صحيح أن الدولار الأمريكي عملتنا لكنه مشكلتكم أنتم) وقول الرئيس نيكسون (إن قراره سيحقق الرفاهية للشعب الأمريكي بدون تعب ولا حروب).
وردّاً على ذلك قامت الدول الأوربية بما سمي بعملية (الثعبان داخل النفق) كخطوة لمواجهة ما قامت به أمريكا، فقامت بتحديد هوامش تذبذب العملات الخاصة بالدول الأعضاء بالنسبة للعملات الأجنبية، وكانت هذه العملات مرتبطة بالدولار الأميركي مع السماح بتذبذبها في حدود 2.25% حول سعر الدولار.
وطبقا لنظام الثعبان النقدي خفضت النسبة إلى النصف تقريباً وأصبحت أسعار صرف العملات للدول الأعضاء مثبتة فيما بينها مع وجود هامش التذبذب، في حين تكون هناك العملات حرة في التعويم بالنسبة للعملات الأجنبية.
وأعقب ذلك اتفاقية "ماسترخت" فبراير 1992 ودخلت حيز النفاذ يناير 1993، وتم إعلان قيام الوحدة الاقتصادية بين الدول الأوربية التي أنشأت السوق الأوربية المشتركة وتوحيد العملة الأوربية بـ (اليورو) تلك العملة التي استطاعت أن تنافس الدولار بقوة، بل وتعد هي العملة الأجنبية الأولى لدول شمال غرب ووسط وجنوب أفريقيا.
وبخصوص المنطقة العربية في ظل تلك الظروف الراهنة التي بالضرورة أثرت سلباً على الاقتصاد في المنطقة، وهنا يأتي ما تقوم به مصر من دور؛ فقد ذكرت شبكة (بلومبرج) الأمريكية اليوم الإثنين أن خطوات الإصلاح الاقتصادى التى تنفذها مصر، فى مقدمتها تحرير سعر الصرف، دعمت قطاعات استثمار مهمة منها البورصة التى شهدت إقبالاً كبيرا من المستثمرين الأجانب، وأن الناتج الإجمالي المحلي قد زاد بنسبة 4.6% في النصف الأول من عام 2017 وهو أسرع وتيرة منذ 7 سنوات، وقال وسام فتوح -الأمين العام لاتحاد المصارف العربية- إن التطورات الاقتصادية والمصرفية فى مصر خلال عام 2017 شهدت تعافيًا هاماً للاقتصاد المصرى خاصة في مجال السياحة والاستثمار، وقال مسئول بوزارة المالية لوكالة رويترز "إن الاستثمارات الأجنبية فى الأوراق المالية المصرية قد ارتفع إلى 18.8 مليار دولار فى أكتوبر الماضى".
وأعلن البنك المركزي أن احتياطي الدولة من النقد الأجنبي ارتفع إلى 36.143 مليار دولار في نهاية أغسطس من العام الحالي،
وعلى المستوى الإقليمي حيث قامت بعدة جهود لتوحيد الاقتصاد العربي منها دورها لإنشاء السوق العربية المشتركة -شكل متقدم من أشكال التكامل الاقتصادي- يقوم على أساس حرية انتقال رؤوس الأموال والأيدي العاملة بين الدول المشاركة في السوق، إضافة إلى حرية تبادل السلع والمنتجات وإقامة اتحاد جمركي فيما بينها كما هي حال السوق الأوربية المشتركة (الاتحاد الأوربي).
بل وحتى على المستوى الأفريقي باتفاقية الكومسا (السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا) هي منطقة تجارة تفضيلية تتمتع الدول فيها بإعفاءات جمركية لتوسعة حجم التجارة والتعاون الاقتصادي المشترك، وقد أستضافت مصر بالتعاون مع الوكالة الإقليمية للاستثمار التابعة لمنظمة الكوميسا، مؤتمر "أفريقيا 2017" تحت عنوان "التجارة والاستثمار لأفريقيا ومصر والعالم" في ديسمبر الماضي بمدينة شرم الشيخ، والذى يعد أكبر التجمعات الاستثمارية بدول القارة لعرض الفرص الاستثمارية المتاحة، مما سيساهم فى تحقيق نمو مستدام وشامل.
وهذا يعد بحق خطوات ناجحة نحو عمل سوق عربية أفريقية مشتركة تحقق وحدة وقوة الاقتصاد لهذه الدول في مواجهة المارد الأخضر الدولار.