بقلم د. يوسف أبراهيم: استجواب لوزير المالية

الدكتور يوسف إبراهيم .. سياسي وباحث أقتصادي
الدكتور يوسف إبراهيم .. سياسي وباحث أقتصادي

خلال الأعوام السابقة والتي أعقبت ثورة 25 يناير تناولت العديد من الأقلام موضوع تقدير المبالغ المدرجة بحسابات الصناديق الخاصة، وأن تلك الصناديق هي باب مفتوح على مصرعيه للفساد وكانت التقديرات لحجم تلك المبالغ تزيد في بعض الأحيان عن 20 مليار جنية، فهرعت الحكومات المتعاقبة لسن القوانين، بداية من احتجاز نسبة 10% من تلك الصناديق لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة، ثم زادت تلك النسبة لتصل إلى 15% في السنة المالية السابقة، يومها كنت قد أشرت أن لكل صندوق من تلك الصناديق لائحته التي توضح الهدف من إنشائه وكيفيه تحقيق موارده المالية وبيان أوجه الإنفاق، وأن تفعيل تلك اللوائح والمراقبة عليها والتأكد من قيام القائمين عليها بالإستغلال الأمثل لها، أفضل بكثير من تحويل نسبة من المبالغ المحصلة للموازنة العامة للدولة، حيث أن تلك الصناديق كانت تُعطي متخذ القرار المزيد من المرونة والقدرة على تحقيق المتطلبات العاجلة، دون النظر إلى الاعتمادات المدرجة في الموازنة العامة، ولكن نفذ قرار تحويل 15% من المتحصلات في تلك الصناديق لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة. 


على حسابات تلك الصناديق أبرمت الجهات المختلفة العديد من التعاقدات إما لدوافع فعلية لاحتياجات العمل وإما لاعتبارات سياسية أو اجتماعية، مثلت تلك التعاقدات للبعض إحدى أبواب التعيين في الجهاز الإداري، ومع غلق باب التعاقد على تلك الصناديق تزامنا مع خطة الدولة لتقليل عدد الموظفين في الجهاز الإداري، قامت وزارة المالية بتعين أصحاب التعاقدات السابقة تحت بند 2/3 أو مسميات آخري، وقامت بتعديل مرتبات أصحاب التعاقدات لتتوافق مع الحد الأدنى للمرتبات، مما ضاعف من أعباء تلك الصناديق، انتظر الجميع من وزارة المالية أن تتحمل عبء تلك المرتبات، إلا أنها ألقت الأمر برمته على الجهات المختلفة بتدبير مرتبات المتعاقدين على تلك الصناديق، وهو ما ضاعف من الاحتياجات المطلوبة من تلك الصناديق وخصوصاً في باب اول الخاص بالأجور والمرتبات، كان ذلك في ظل موازنة 2016/2017.

في الموازنة الحالية 2017 /2018 قدرت الحكومة الأجور والمرتبات بمبلغ 240 مليار جنية تقريباً لعدد 6.5 مليون موظف تقريباً، ولم تدرج فيها المرتبات التي يحصل عليها المتعاقدين على حساب الصناديق الخاصة! فكم يبلغ عدد العاملين في الدولة المتعاقدين على الصناديق الخاصة؟ وما هو المبلغ الإجمالي لمرتبات العاملين على تلك الصناديق؟ المؤكد أن لدى وزارة المالية بحكم إشرافها المالي على جميع الصناديق الإجابة عن تلك التساؤلات. 

إذا كانت الإجابة على التساؤلات السابقة مهمة في تحديد حجم العمالة الحقيقية في الجهاز الإداري للدولة والمبلغ الفعلي لبند الأجور والمرتبات وما له من انعكاسات على عجز الموازنة العامة والتخطيط الاقتصادي، فإن الأمر الذي لا يقل أهمية عنه له شقين:

الشق الأول أن تدبير تلك المرتبات بعيداً عن الموازنة العامة اصبح يمثل صداع شهرياً للقائمين على إدارة الوحدات الاقتصادية والخدمية المشرفة على تلك الصناديق، صداع يشغلهم عن التركيز في مهامهم الرئيسية أو التنازل عن بعض المعايير الفنية أو المتطلبات من أجل جمع التبرعات، أو فرض اتاوات بصورة سيئة، أما الشق الثاني فإن تأخر صرف مرتبات المتعاقدين على تلك الصناديق يحمل صرخات مكتومة لقلوب بلغت الحناجر ودعوات تخرج من قلوب تشعر بالظلم والتفرقة على المسئولين عن تأخر مرتباتهم، لتمثل التجسيد الحي للأثار الاجتماعية السيئة لهذا الإجراء.

لماذا لا يقوم وزير المالية بعدما قرر تعيين المتعاقدين على الصناديق الخاصة بتحميل مرتباتهم على الموازنة العامة للدولة؟ خصوصاً بعد زيادة تلك المرتبات وزيادة النسبة المخصومة من تلك الصناديق للموازنة العامة للدولة، وعجز أغلب الصناديق عن توفير تلك المرتبات، ومن ثم توجه مبالغ تلك الصناديق للأغراض التي نصت لائحتها عليها، بما يحقق مرونة لمتخذ القرار في تحقيق الاستفادة المثلي منها.