بقلم د. يوسف إبراهيم: مصر التي نتمناها
هل حقاً هدأت الأمور؟ هل تقبل المصريون القرارات التقشفية الأخيرة للحكومة؟ هل مر رفع أسعار المنتجات البترولية دون مظاهرات وثورة؟ هل سيمر أرتفاع فواتير الكهرباء والماء دون ضجيج؟ الواقع يقول نعم، لقد مر الأمر، الشعب تحمل، أخذت الأخبار المتناثرة يومياً عن الأنشطة الإرهابية سواء في رفح أو في الجيزة مساحة أكبر من اهتمام الراي العام، وهي أمور تستحق أن تستحوذ على عقول أبناء الشعب المصري، ومن الغباء أن يزعم البعض أن تلك العمليات مدبرة ليتناسى الشعب مأساة القرارات الأقتصادية. إن حرب مصر ضد الإرهاب واقع يجب أن نعترف به، ويجب أن نكون جميعاً جنوداً في تلك المعركة، ولن يتأخر أحد عن تلبية نداء الوطن، بل إن كل منا يمكن أن يساهم من خلال عمله في تلك المعركة، إن ما نراه من تفجيرات وعمليات إرهابية، هو نتيجة توافر بيئة كان الفقر والمرض والجهل هم الثالوث المتحكم في تلك البيئة، وهذا لا ينفي وجود مخططات لدويلات تهدف لهدم الدولة المصرية، ولكن هذا شأن تتولاه أجهزة الدولة المختلفة من الجيش والمخابرات، ونحن نثق ثقة تامة في حرصهما على أستقرار مصر، ولكن هذه البيئة التي ترعرع فيها الفساد وأصبح مستباحاً في مجتمعات الفقر والأحساس بالظلم الإجتماعي، ساهمت الدولة فيه عن عمد في إنتشار الزوايا والمصليات والتدين المزعوم، لتستخدم الدين أفيون يُغيب عقول المواطنين عن حقوقهم وعن واجباتهم، فأصبح الفقر أمر محمود فأغلب أهل الجنة من الفقراء، وأصبح المرض ليس عن تلوث الهواء والماء والطعام، ولكنه إختبار من الله لعباده الصالحين، فتغاضى الناس عن دراسة الأسباب إلى اليقين إننا نعيش شقاء الدنيا لننعم برخاء الآخرة!، فالتحق أبناء قيادات الجيش في الجيش، وتتلمذ أبناء القضاة على منصة القضاء، وصار ابن المحامي محامي، وابن التاجر تاجر، وابن الفقيه فقيه، وتقبل المجتمع هذا بل صار يدعمه ويدافع عنهُ، بل وخُلِق له رجال الدين الذين يبررون التفاضل بين أبناء المجتمع على أساس المكانة الاجتماعية، فكانت النتيجة ومن نفس الكأس والأفيون، جاء من يروج للقتل بأنه جهاد في سبيل الله، وتعاملت الدولة مع القتل بالقتل، مع الحرب بالحرب ونسيت الأسباب الرئيسية "الفقر، والجهل والمرض"، سارعت الدولة في الإعلان عن تجديد الخطاب الديني، وبنفس السرعة سارعت في تجاهله، وكل من يحاول الاقتراب من أصنام قريش، يُسب ويُلعن ويُطارد ويزج به في السجن، وتتعالى الصيحات: يجب أن يكون تجديد الخطاب الديني على يد رجال الدين!. وهل وصلنا إلى ما نحن فيه إلا نتيجة للأفكار الرجعية لرجال الدين في الحقيقة نحن نحتاج لتغيير ثقافة المجتمع والخطاب الديني جزء منها، ثقافة لا تتعامل مع الفقر على أنه نعمة، ولا تتعامل مع المرض على أنه إختبار، ولا تتعامل مع الفساد والمحسوبية على أنها تقاليد المجتمع، ولا تتعامل مع المسئول على أنه صاحب اليد التي تُعطي واليد التي تبطش، نريد ثقافة تضع العلم والعقل في المقدمة، ترى الفقر أنه نتيجة لضعف الأقتصاد ولقلة الإنتاج ولسوء الإدارة التنفيذية، ترى المرض نتيجة للتلوث والضعف والجوع، ترى الفساد والمحسوبية هما الجذور التي ينمو بيها ويترعرع الإرهاب، لذا فهما التحدي الأكبر، ترى المسئول خادماً إما أن يعمل بجد فيما كُلف به أو يرحل، ترى الرئيس منتخباً، لا قدر قدره الله، ترى الوزير يصيب ويخطئ، ترى مجلس النواب جهة رقابية وتشريعية وليس وسيلة سهلة للحصول على خدمات من الوزراء، ثقافة تجعل من المواطنة الأساس، ومن العلم والعمل ركائز التفضيل والترقي، عندها سيقول كل منا رأيه دون خوف أو بطش، ستدرك الحكومة أنها ليست الصواب المطلق، وليست العبقرية وحدها، وأن من واجبنا أن ننتقد، أن نقدم المقترحات والبدائل، وعندها ستكون مصر التي نتمناها.