بقلم د. يوسف ابراهيم: مصر ذاقت الانكسار
خاص سياسي
غربت شمس الحرب العالمية الثانية وغرب معها طموح الألمان في السيطرة على العالم المتقدم، فبعد أن تقدمت قواتها شمالاً وجنوباً وبعد أن أزالت دول ودمرت جيوش، تحالف الجميع ضدها فسقطت يرلين وقُسمت ألمانيا إلى دولتين؛ دولة تتحكم فيها الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي، ودولة يتحكم فيها الغرب، وأصبح حائط برلين رمزاً للسقوط والانكسار، انكسار الإرادة الألمانية، انتحر هتلر وتمت محاكمة ما تبقى من قوات النازية، وأمام السقوط والانكسار كان الحلم الألماني بازغا في الأعماق، كانت الرغبة في هدم حائط برلين وإنهاء هذا الانقسام أنشودة يرددها الأطفال والشباب وكل من ذاق مرارة الانكسار، أنشودة كتلك الأنشودة التي تملأ قلوب وعقول المصريين والتي تجسدها صفحات التواصل الاجتماعي "تيران وصنافير مصرية".
يُخلِّف انكسار الأوطان أمرين: كفر بالواقع ورغبة مجنونة في صب اللعنات على من ملأ الكأس مرارة وأذاق منها الشعوب، أو رغبة جامحة في تحقيق الذات وتمزيق كل أثار هذا الانكسار. الألمان سلكوا في الطريق الثاني؛ تحقيق الذات، عودة قلاع الصناعة الألمانية للعمل، آخذ الألمان على عاتقهم بناء الوطن، زالت آثار الهزيمة، بدأت ألمانيا باستعادة قوتها، قامت برفع مستوى المعيشة للشعب الألماني وتصدير البضائع المحلية إلى الخارج، والتقليل من مستويات البطالة وزيادة إنتاج الغذاء المحلي، وكان السبب الرئيسي وراء النهضة الألمانيّة بعد الحرب العالمية الثانية هو الثورة الصناعية التي حصلت في ألمانيا في شتى المجالات وخاصةً في الصناعات الثقيلة، ومع بداية حقبة التسعينات من القرن الماضي أُسقط حائط برلين وعادت ألمانيا الموحدة من جديد، يحتفظ بعض الألمان بقطع صغيرة من حائط برلين، يتوارثه الأجيال حتى يظل في الأعماق أن تلك القطع الصغيرة من الحجارة هي كل ما تبقى من هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية وعادت ألمانيا قوية كما كانت.
سقط الاتحاد السوفيتي وانقسم على نفسه فأصبح دولاً لا وجود لأغلبها على الساحة الدولية، غرقت الولايات المتحدة في أزماتها السياسية والاقتصادية، أما الطموح الألماني فلم ينتهِ عند هدم حائط برلين، كان الطموح الألماني في قيادة أوروبا فتم تشكيل الاتحاد الأوروبي، ثمان وعشرون دولة تأتي ألمانيا في المقدمة.. تقود، تساعد، تقدم خدماتها وخبرتها لتحقيق الاستقرار في الاتحاد الأوروبي، وأصبح اليورو عملة تنافس عملة الولايات المتحدة، تلك الدولة التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية، تقدم المنح والديون في صورة مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا.
حقق العلم والعمل لألمانيا ما لم تحققه ترسانتها الحربية أيام هتلر، هرع هتلر للصناعات الحربية، للغزو، للسيطرة العسكرية على دول أوروبا كان له نتيجة مريرة، انتحر هتلر ومنيت ألمانيا بأصعب هزيمة، وحين أدرك الألمان الحقيقة وحين خرج الجيش الألماني من صدارة المشهد ليتوارى خلف التقدم الاقتصادي والاجتماعي والحضارة، سادت ألمانيا العالم الأوروبي.
لم تكن ألمانيا الدولة الوحيدة التي انكسرت، دول كثيرة ذاقت من الكأس، ومصر ذاقت الانكسار، ألمانيا اتّحدت، تقدمت، تحكمت في بوصلة الاتحاد الأوروبي، فهل مصر تستطيع؟ الرهان على وعي الأمة المصرية، على رغبتها في وحدة الأراضي المصرية، طريق العلم شاق، لكنه الوحيد القادر على نهضة الأمم، وفي الطريق تظل الأنشودة الأبدية "تيران وصنافير مصرية" حافزاً لتحقيق المستحيل.