بقلم د. يوسف أبراهيم: قبل غرق السفينة
خاص سياسي
قبل ثورة 25 يناير، كان احتفال الأول من مايو كل عام مناسبة ينتظرها جميع عمال مصر، وليس العمال فحسب، بل كل العاملين في الدولة، وفي اللحظة التي كان يعلن فيها الرئيس الأسبق مبارك عن العلاوة السنوية 7% أو 10% حسب ما يراه مناسب لكسب تأييد العمال، تضج القاعة بالتصفيق، مشهد تكرر كثيراً، ورغم العلاقة الوطيدة بين الأجور والاسعار التي كانت تبتلع كل زيادة في الأجور، كانت السعادة بالعلاوة الجديدة تبدوا في ملامح وعيون المواطنين، بدا هذا المشهد امامي وانا أقرأ عن الزيادة التي أقرها البرلمان بنسبة 15% لأصحاب المعاشات وبحد أدني 130 جنية، و7% للعاملين الخاضعين لقانون الخدمة المدنية، 10% لغير الخاضعين، بالإضافة إلى زيادة غلاء المعيشة، بنفس النسب تقريباً للعاملين، وعبثاُ حاولت أن اتأمل الملامح والوجوه لعلِّي اجد السعادة، أو ابتسامة الرضا أو نظرة أمل، فلم أجد!
كانت الأنباء التي سبقت تلك العلاوات والمتمثلة في الزيادات المتوقعة في أسعار الوقود والكهرباء، وفواتير المياه، وبالتبعية أسعار الانتقالات، والسلع الغذائية والسلع الأخرى، سداً منيعاً لأن يستقبل المواطن انباء زيادة الأجور وعلاوة غلاء المعيشة بشيء من السعادة.
قدم السادات نفسه قبل حرب أكتوبر باعتباره قائد لثورة التصحيح، الثورة التي صححت مسار ثورة يوليو، والتي قضى فيها على مراكز القوة التي سيطرت على مقدرات الشعب، ومع حرق التسجيلات وهدم بعض أسوار السجون، صُوّر كزعيم للحريات وحقوق الانسان، ومع فرحة الانتصار في أكتوبر أصبح قائداً للحرب، أول انتصار يحققه العرب على دولة إسرائيل، ومن ثم كان الاحتفال الرائع بالافتتاح الثاني لقناة السويس لتكون شريان للتجارة الدولية، ومع إنشاء المدن الجديدة، السادات، العبور، العاشر من رمضان، كان له لدى الشعب رصيد كبير من التقدير والحب، لكن هذا الرصيد، وذلك الحب، لم يمنع المصرين من الثورة والخروج علية عندما اقترب من الدعم ورغيف الخبز، ومع اختلاف الوصف والمسميات بين ثورة الحرامية، أو ثورة الخبز، تراجع السادات عن قراره، ليؤكد أن التراجع عن القرار أفضل من أن تحرق مصر، ظلت تلك الاحداث في ذاكرة مبارك، فلم يقترب من الدعم، كان يدرك مخاطر الاقتراب منه، والأهم أنه كان يعرف إن الشعب يعتبر الدعم حق أصيل له.
يراهن الرئيس على صبر المصريين، على قوة تحملهم، على إدراكهم أننا نحارب الإرهاب، على رصيده في قلوب المصريين، لكن الرصيد بدأ ينفذ، أو بالأحرى نفذ عند الغالبية العظمى ممن فوض وأيد خطوات الرئيس، تبدل الحب كرهاً، وامسى التأييد ندماً، فهل يدرك الرئيس ذلك؟ لكن الخوف يُلجم الكلمات، ومع الخوف والفقر والشدة يزداد الاحتقان، وتنتظر الأنفس الشرارة التي تصب بها جم غضبها، فهل يكون رفع الدعم عن الوقود، وزيادات الأسعار هو الشرارة؟ أتمنى ألا تكون، فمصر لم تعد تحتمل هزات، يجب على الحكومة أن تتأنى، أن تفكر في حلول أخرى، إن الإصلاح الاقتصادي، مهما كان المرجو منه، يحتاج إلى مجتمع يؤيد خطواته، يرحب بها، حتى يُؤتي الإصلاح ثماره، فهل تجد الحكومة هذا التأييد؟ سؤال يجب أن تكون لحكومة شريف إسماعيل إجابه علية، قبل غرق السفينة.