بقلم د. محمد نبيل: دور الأحزاب فى نهضة مصر

الدكتور محمد نبيل .. طبيب وسياسي مصر
الدكتور محمد نبيل .. طبيب وسياسي مصر

مرت مصر فى الفترة السابقة ما قبل ثورة 25 يناير بمرحلة تاريخية أمتدت لثلاثين عاماً. تم فيها ارساء السيطرة في إدارة دفة البلاد السياسية والأقتصادية إلى توجه حزب واحد، والذى أدار وخطط وأخرج الحكومات المتتابعة التى وضعت الخطط التنموية المختلفة، وسواء أختلف البعض أو أتفق علي تقييم تلك الفترة بالسلب أو الإيجاب أو كلاهما، إلا أن المحصلة إن تلك الأدارة فى شئون الدولة أدت فى النهاية إلى حدوث أحتقان سياسي أخرج إلينا ثورة 25 يناير والتى أطاحت بهذا الهيكل السياسي الهش.


وبالعودة إلى تلك المرحلة لتحليل القوى الموجودة فى الساحة السياسية، نجد أنها كانت مقتصرة على الحزب الحاكم من جهة وجماعات سياسية مستندة إلى مرجعية دينية موجهة ومسيسة لحشد المؤيدين تحت مسميات مختلفة، وطرف أخر ثالث متواجد على أستحياء ممثل فى مجموعة من الأحزاب، والتى لها من الرؤية السياسية والأقتصادية المتوازنة ولكن دون أرضية في الشارع.

و فى الحقيقة أنه مع تواجد القوى الثلاث فى المشهد وتقسيم الأدوار بينها فى موائمات سياسية داخلية تحفظ التوازن بينهم إلى الحد المرضى  والمقبول من الجهة الأكثر سيطرة وهو الحزب الحاكم، إلا أنه دائما ما كانت الأكثرية من الشعب خارج تلك الموائمات، فتلك التجمعات البشرية من الناس لا يشغلها من أمرهم شىء إنما همها الأكبر هو مواجهة تبعات ضيق العيش ومشاكلهم الاقتصادية.

و تلك الثغرة الكبرى فى التمثيل السياسى لقوى الشعب هي التى أدت إلي إنفصال الدولة عن الأحتياجات الخاصة بالفئات المختلفة من الشعب. مع وجود فئات شعبية ضخمة وحشود بشرية مهمشة وغير ممثلة سياسيا، يجعل من السهل توجيهها وخاصة بعد زيادة تأثير شبكات التواصل الأجتماعى وقنوات البث من خارج مصر والتى تبث السم في العسل .

كل ذلك أدى إلى تحرك غير منتظم ونزول للشارع غير موجه وأهدافه غير واضحة ليتم بعدها توجيه ذلك الحشد إلى مطالب أخري لها أهداف سياسية غير وطنية.

وهذا ما حدث مع أحداث ثورة 25 يناير دون الدخول فى خلاف أكاديمي عن توصيف تلك الأحداث وما إذا كانت ثورة أم لا، وهذا هو الدرس الأكبر من تلك الفترة والذى يضع مسئولية إستيعاب جميع فئات المجتمع علي عاتق الدولة الأن.

فبعد نجاح ثورة 30 يونيو والتخلص من فترة سيطرة فكرة الدولة الدينية التى كانت ستسيطر على مقدرات البلد لرؤيتها الخاصة، نجد أن الدولة أتاحت الفرصة لتكوين الأحزاب السياسية المختلفة ليس بهدف التواجد الشكلى لأستكمال الشكل الديموقراطى، ولكن بهدف إستيعاب التوجهات المدنية المختلفة فى المجتمع وجعلها ممثلة سياسياً، وكذلك تقوية التماسك والتواصل بين التيارات المختلفة داخل المجتمع وإدماجها فى دائرة توجيه صناعة القرار.

ورغم هذا التوجه الوطنى من الدولة إلا أنه ما زالت الأحزاب السياسية المستحدثة بعد 30 يونيو غير قادرة على عمل أرضية بين الناس، وإستيعاب وتبنى احتياجات الفئات المختلفة.

و هنا يبرز دور الدولة فى تقوية وإتاحة الفرصة لتلك الكيانات السياسية الوليدة لتقف جنباً إلى جنب مع الدولة، وأثراء الحياة السياسية لأنه فى النهاية لا أحد يحتكر الرؤية السياسية والأقتصادية. فالكوادر والخبرات موجودة وتوجهاتها وطنية خالصة بل وبعد نشوء نظام وطنى بعد 30 يونيو أصبحت المنافسة فى دعم الوطن لا المصالح السياسية الضيقة. فالكل فى خندق واحد يسعى ويجتهد ويقدم فكره لكي تعبر مصر هذه المرحلة الفارقة فى تاريخها إلى نهضة شاملة.