آل ريس: لا تغير سياسة التسعير .. أبدًا

خاص سياسي - جهاد السقا
عندما طرحت شركة جاب "GAP" سلسلة متاجر أولد نافي “Old Navy”، التي تتميز بأسعارها المنخفضة، لم يكن يتبادر إلى ذهنها أن تأثير السلسلة الجديدة قد يكون سيئًا على متاجر جاب “GAP”، ولكنهم أخطأوا في ذلك.. فمحلات جاب الآن تواجه مشاكلًا كبيرة مما دفعها إلى إغلاق 175 متجرًا، وبذلك أصبحت متاجر أولد نافي “Old Navy” هي الملاذ الوحيد لبقاء جاب “GAP”.. أما نجاح أولد نافي “Old Navy” فقد شجع العديد من سلاسل المحلات الأخرى لتبني نفس السياسة مثل شركة هول فودز “Whole Foods” التي أعلنت عن فتح سلسلة محلات جيدة بأسعار أرخص.
السعر أمر هام بالنسبة للمستهلك
قد يغير المشتري رأيه بشأن سلعة ما في كثير من الأحيان من أجل توفير المال، إلا أنه أحيانًا ما يفعل العكس، فعلى سبيل المثال من يشتري من محلات هول فودز “Whole Foods”على استعداد أن يدفع مبالغ كبيرة مقابل الحصول على تلك الجودة العالية التي تميز منتجات الشركة، لذا عندما تقدم الشركة فروعًا جديدة تسمى 356 بأسعار منخفضة، فقد يؤدي ذلك إلى إرباك المشتري، لأن هذا سيجعله يشك في جودة المنتجات التي يقدمها المتجر الجديد أو التفكير في أن سعر منتجات Whole Foods”" مبالغ فيها.. وفي كلتا الحالتين فإن هول فودز “Whole Foods” هي الخاسرة.
الطبيعي أن كل ماركة تعتمد نطاقًا معينًا من الأسعار سواء كان منخفضًا أو مرتفعًا، فمثلًا تعتبر "روليكس وستاربكس" من الشركات التي تقدم منتجات ذات أسعار مرتفعة وعلى النقيض "إيكيا ودولا تري" اللتان تقدمان منتجات ذات أسعار منخفضة.
وعامة فإن المهم في هذا الأمرهو الثبات على نطاق الأسعار التي تقدمها الشركة، فتغيير سياسة التسعير أمر غاية في الخطورة. وعند تأمل التاريخ نجد أن "وال مارت" تقدم مثالا صارخا على ضرورة الثبات على نطاق الأسعار الخاصة بالشركة، فمنذ سنوات عندما حاولت "وال مارت" الدخول إلى عالم الموضة عينت مديرًا تنفيذيًا كان قد عمل في تارجت “Target”، وفتحت مكتبًا في مانهاتن، وقدمت عرضًا للأزياء في مدينة نيويورك، ونشرت إعلانًا في ثماني صفحات في مجلة فوج، وعلى الرغم من كل ذلك إلا أن النتائج كانت كارثية.
الشركات مثلها مثل الماركات
أي متسوق متمرس في عالم التسوق يعرف أن شركة جاب “GAP” تملك أيضا أولد نافي “Old Navy” وبانانا ريبابلك Banana Republic” ، لذا فحينما بدأت الشركة بسلسلة المتاجر الجديدة أولد نافي “Old Navy” بدأ العديد من عملاء جاب في الشراء من أولد نافي “Old Navy” بسبب أسعارها المنخفضة مقارنة بجاب “GAP” وبذلك لم تعمل أولد نافي “Old Navy” على زيادة حجم الشركة بل حولت انتباه عملائها إلى متجر آخر من متاجرها.. ففي عام 2000 حققت السلسلة إيرادات تساوي 13.7 مليار دولار وبعد 14 عامًا وصلت إيراداتها إلى 16 مليار دولار فقط (وإذا أخذنا معدل التضخم في الحسبان نجد أن 16.4 مليار دولار تساوي 12 مليار دولار في عام 2000).
وقعت "جنرال موتورز" في نفس الخطأ؛ ففي عام 1990 قبل أن تطرح سيارة ساترن Saturn”" للأسواق، كانت شيفرولية تملك 19% من السوق المحلي وأصبحت تملك 12% فقط العام الماضي بسبب ساترن “Saturn، لأن من يشتري شيفرولية يعرف أن جنرال موتورز تبيع أيضا بويك “Buick” وكاديلاك “Cadillac” وجي إم سي “GMC”).
فبسبب أولد نافي “Old Navy” أصبح الناس ينظرون إلى أسعار موديلات جاب “GAP”على أنها مبالغ فيها ونفس الفكرة مع سيارة ساترن “Satrun” من شيفرولية، وهذا معناه أن زيادة عدد الماركات لنفس الشركة يعمل على تقويض حجم الشركة على عكس الاعتقاد السائد بأن زيادة الموديلات أو الماركات تعني زيادة الأسعار.
لكي تفهم علم التسويق لا تقرأ الكتب بل اقرأ التاريخ...
علم التسويق يحتوي على الكثير من النظريات التي لا تمت للواقع بأي صلة ومن ضمن تلك النظريات "التوسع في المنتجات".. والدليل على ذلك ما حدث لشركة فورد عندما طرحت موديلA عام 1903، حينها باعت الشركة 1708 سيارة ثم في السنة التالية قدم هنري فورد ثلاثة موديلات جديدة وباع منها 1695 سيارة فقط.. مما جعله يغير طريقة تفكيره كما جاء في كتابه "حياتي وعملي" .
"في العام التالي للنجاح الذي حققته A، قسمنا مجهودنا على ثلاثة موديلات Bو C وF لذا بعنا عددًا أقل من السيارات" لذا في عام 1909 قرر فورد أنه في المستقبل سيقدم موديًلا واحدًا فقط وهو موديل T،وفي الفترة بين عام 1909 و1926 ركز فورد اهتمامه على تطوير السيارة وزيادة مبيعاتها، وخلال تلك السنوات الـ 18 أنتج فورد 15 مليون سيارة موديل T،وعلق هنري فورد على نجاح هذا الموديل قائلًا أن تلك السيارة لا تحتوي على مميزات مختلفة عن الموديلات الأخرى ولكن السر في نجاحها هو "التركيز". إذا فالتركيز هو مفتاح اللغز.