بقلم د. زياد بهاء الدين: ماذا بعد قانون الاستثمار؟

نائب رئيس الوزراء المصري للشؤون الاقتصادية ووزير التعاون الدولي سابقا
نائب رئيس الوزراء المصري للشؤون الاقتصادية ووزير التعاون الدولي سابقا

على الرغم من أننى أبديت تحفظى أكثر من مرة خلال العام الماضى على مشروع قانون الاستثمار أثناء مختلف مراحل إعداده ومناقشته، إلا أن صدوره رسميًا، كان قد بات ضروريًا وملحًا لكى تنتهى حالة التردد والغموض التى استمرت بشأنه لمدة طويلة وأضرت بالمناخ الاستثمارى ضررًا بالغًا. والمهم الآن أن نطوى هذه الصفحة التى استنزفت الكثير من الوقت والجهد، ونلتفت إلى المعوقات الحقيقية للاستثمار والمرتبطة بالمناخ الأوسع الذى يتعامل معه المستثمرون الوطنيون والأجانب على حد سواء. وفيما يلى ما أعتقد أنها الملفات الجديرة بالاهتمام:


١) إزالة الغموض المستمر بشأن التوجه الاقتصادى للدولة والتناقض بين الخطاب الداعى لتشجيع الاستثمار الخاص وبين التوسع الفعلى فى دور الدولة الاقتصادى بشقيه المدنى والعسكرى، خاصة فى المجالات العادية التى لا تعتبر ذات أهمية استراتيجية.

٢) إعادة النظر فى ارتفاع تكلفة التمويل (سعر الفائدة) إلى الحد الذى يجعل المستثمرين الوطنيين يحجمون عن إنشاء المشروعات الجديدة أو التوسع فيها، كما يدفع المدخرين إلى وضع أموالهم فى الأوعية الادخارية التى تدر عائدًا مرتفعًا ومضمونًا بدلًا من المخاطرة فى مشروعات استثمارية. ومع تقديرى لمنطق الدولة فى زيادة أسعار الفائدة لمحاربة التضخم، إلا أن الأولوية يجب أن تتجه إلى تحفيز الاستثمار والتشغيل والنزول بمعدلات البطالة، خاصة وأن العديد من خبرائنا الاقتصاديين أبدوا تحفظهم على رفع سعر الفائدة كوسيلة للحد من التضخم، منبهين إلى أن محاربة الغلاء تحتاج إلى إصلاحات هيكلية فى آليات التنافس والإنتاج والتوزيع لا زيادة تكلفة التمويل. 

٣) الاستمرار فى سياسة توجيه موارد الدولة نحو مشروعات قومية كبرى، بعضها مفهوم ومعروف الأثر الاقتصادى وبعضها غير واضح الجدوى والأولوية، بما يزيد من الأعباء على الخزانة العامة، كما يمنع توجيه هذه الموارد المحدودة نحو ما يحقق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة. 
٤) زيادة الأعباء المباشرة وغير المباشرة على القطاع الاستثمارى والتى لا تتمثل فقط فى الزيادات المتوالية فى أسعار مدخلات الإنتاج، ولكن أيضًا فى التكاليف والأعباء غير المحددة سلفًا أو المعلنة بشكل رسمى، مثل «التشجيع» على التبرع للصناديق السيادية، وغموض الرسوم المفروضة على بعض الأنشطة الاقتصادية. وهذا يضر بمناخ الاستثمار لأن المستثمر الجاد يمكنه التعامل مع التكاليف والأعباء المعروفة والمقننة بشكل رسمى مهما كانت مرتفعة ولكنه لا يقدر على التأقلم مع النزيف المستمر فى البنود غير الواضحة والمعلنة مسبقًا.

٥) استمرار غموض الأوضاع القانونية لكثير من الممنوعين من التصرف فى أموالهم أو السفر أو الموضوعين على قوائم مختلفة أو المتحفظ عليهم فى جرائم مالية برغم مرور سنوات طويلة على فتح ملفاتهم. وهذا يضعف ثقة المستثمرين فى كفاءة النظام القضائى واستقلاله ويعطى انطباعًا سلبيًا بأن تطبيق القانون محل للتفاوض. ولذلك يجب غلق تلك الملفات سواء بالبراءة أو الإدانة، وطى هذه الصفحة وفقًا لاعتبارات العدالة المجردة وحدها.

٦) الفجوة المستمرة والآخذة فى الاتساع بين ما تسعى الدولة لتحقيقه من إصلاحات اقتصادية ومالية، وبين التراجع فى المناخ السياسى المتمثل فى التشريعات والإجراءات المقيدة للحرية سواء فى المجال الإعلامى أو الأهلى أو الحزبى أو غيرها. وبالإضافة إلى تعارض هذا الوضع مع القانون والدستور وتطلعات الناس لمجتمع حر وعادل، فإنه عائق حقيقى للاستثمار والتنمية الاقتصادية لأن المستثمر اليوم، والمتاحة له فرص واعدة ومجزية فى كل بلدان العالم، يبحث ليس فقط عن عمالة رخيصة وموارد طبيعية وإعفاءات ضريبية كما كان الحال من عشرات السنين، بل يسأل ويهتم أيضًا بالاستقرار السياسى والسلم الاجتماعى واحترام العدالة والقانون باعتبارها مؤشرات مهمة على قدرته على تحقيق عائد اقتصادى مستقبلًا وعلى التزام الدولة بتطبيق الإصلاحات التى تعلن عنها. 

هذه بالتأكيد ليست كل مشكلاتنا الاستثمارية ولا هى ملفات بسيطة، ولكن يلزم الاعتراف بوجودها لكى يمكن تغيير السياسات التى دفعت لتفاقمها. وهذا لا يمكن القيام به من خلال قانون للاستثمار وحده ولا قوانين أخرى متفرقة، بل من خلال مراجعة لسياسات الاستثمار بشكل إجمالى وحوار وطنى واسع حول طبيعة النمو الاقتصادى الذى ننشده. 

******

ختامًا فقد تزامن مع صدور القانون تغيير جديد فى رئاسة هيئة الاستثمار. وأنتهز الفرصة لتحية رئيسها الذى انتهت مدته، الأستاذ/ محمد خضير. فبرغم خلافى معه فى الرأى إلا أنه قام بجهد كبير فى النهوض بالهيئة وتحمل عبء إصدار القانون الجديد. كما أتوجه بالتهنئة إلى الصديقة وزميلتى السابقة الأستاذة/ منى زوبع، الرئيسة الجديدة للهيئة، لأنها الجندى المجهول وراء العديد من الإصلاحات اللائحية التى ساهمت فى تحسين ترتيب مصر فى قوائم التصنيف العالمى للاستثمار، وأثق أنها ستعمل على تطوير الهيئة وإعادة فاعليتها فى مساندة المستثمرين.