بقلم محمد جمعة: الصراع على غنائم الحرب في سوريا
مع خفوت حدة القتال بين النظام السوري وتنظيمات المعارضة، يبدو أن هناك معركة أخرى تتشكل وتتقدم حول غنائم الحرب والمنافسة بين نظام الأسد وحلفائه المحليين والخارجيين. هذا ما تشير إليه بوضوح المعطيات على الأرض في داخل محافظة دير الزور!
فعلى مدار الشهور القليلة الماضية اندلعت الاشتباكات، عدة مرات، بين عناصر تابعة لوحدات الحشد الشعبي العراقي المدعومة من إيران، وبين عناصر أخرى تابعة للميليشيا السورية الموالية لبشار الأسد، والمسماة بـ"قوات الدفاع الوطني" بالقرب من منطقة البوكمال في محافظة دير الزور السورية.
السبب المباشر – الذي تردد في التقارير الإعلامية – لتلك الصدمات، هو الصراع على السيطرة على نقاط عبور نهر الفرات (كباري ومعابر)، والتي تجمع الجماعات ضرائب وجبايات غير رسمية على البضائع المارة بها. ولكن المسألة في الحقيقة أكبر من مجرد نزاع على جباية الضرائب والسيطرة على طرق التهريب، إذ يأخذ الصراع منحى ديموجرافيًا واستراتيجيًا، حيث تقدم إيران إغراءاتٍ سخيةً مثل رواتب تزيد أكثر من الضعف على الرواتب التي يقدمها الجيش العربي السوري مقابل الانضمام إلى الحرس الثوري أو وكلائه المحليين.
والحاصل هنا أن المرحلة الأخيرة من الحرب الأهلية في سوريا ضاعفت من الأهمية الاستراتيجية لدير الزور، بحيث تجاوزت تلك الأهمية مسألة احتياطيات النفط والغاز التي تمتلكها تلك المحافظة...
بالنسبة لإيران، تمثل دير الزور ومحافظة حلب مكونين رئيسيين للممر البري الذي تود طهران إقامته وتعزيزه من إيران وعبر العراق ووسط سوريا، وصولا إلى لبنان في النهاية. ولهذا تولى إيران أهمية خاصة للسيطرة على الحدود السورية مع العراق، حيث محافظة "دير الزور".
ذلك أن إنشاء هذا الممر البري الممتد من حدودها وحتى لبنان، سيسمح لإيران بإمداد حزب الله بسهولة أكبر مقارنة بالوقت الحاضر، وبالتالي زيادة النفوذ العسكري للحزب في مواجهة إسرائيل.
أما بالنسبة للميليشيات الموالية لنظام بشار، الأجنبية منها والمحلية، فإن موقع المحافظة على طول نهر الفرات يجعلها نقطة مهمة لجمع ضرائب غير رسمية ورشاوى مقابل تمرير البضائع والأشخاص الذين يتحركون في أرجاء المنطقة. على سبيل المثال، جمعت المليشيات التي تسيطر على بلدة البوكمال من السكان الذين فروا من داعش ما بين 25 إلى 50 ألف ليرة سورية (حوالي 50-100 دولار) عن كل فرد مقابل العودة إلى منازلهم. كما بدأ مقاتلو "قوات الدفاع الوطني" في ابتزاز سكان البوكمال، إذ يتعين على البعض دفع ما بين 1-2 مليون ليرة سورية (ما بين 1000 و2000 دولار) مقابل عدم إحالتهم إلى أجهزة الأمن الحكومية بوصفهم متعاونين مع داعش.
لكل هذه التفاصيل، تكتسب السيطرة على دير الزور أهمية كبرى بالنسبة للحلفاء المحليين والأجانب. ولهذا سارع حزب الله إلى نقل وحدات تابعة له للمحافظة، بدعوى دعم قوات نظام الأسد التي تقاتل بقايا عناصر لداعش لا تزال هناك. لكن واقع الأمر أن الانتشار السريع لميليشيا حزب الله، ساهم في ترجيح كفة الميزان لصالح الميليشيات التابعة لإيران في المنطقة. حيث اشتبكت ميليشيا حزب الله على الفور – من لحظة وصولها المنطقة – مع مقاتلي " قوات الدفاع الوطني" التي دعمتها روسيا في مواجهة ميليشيا حزب الله، بعد أيام فقط من وصولها. كما نشرت روسيا الشرطة العسكرية مرة أخرى إلى مدينة الميادين.
أما إيران التي بدا أنها رسخت جذورا عميقة في المنطقة، فقد دأبت على فتح العديد من مراكز التجنيد في المحافظة، إلى جانب مواصلة دعم ميليشياتها الخاصة. وعلى النقيض من نداءات روسيا بدمج الميليشيات مع الجيش السوري أو تسريحها، رفضت إيران بشكل قاطع هذه الفكرة، ويبدو أنها ترغب في استمرار نشاط القوات شبه العسكرية في سوريا نظراً لدورها البارز والدائم، على غرار الحرس الثوري في إيران والحشد الشعبي في العراق. ولا شك أن هذه الأهداف المختلفة تضع البلدين في خلاف. ولهذا ومع هزيمة قوات المعارضة وكل الفصائل المسلحة بشكل مضطرد، من المرجح أن تندلع المزيد من الاشتباكات مع احتدام صراع النفوذ بين إيران وروسيا في دير الزور.
الملفت هنا، أن نظام الأسد لم يصدر عنه ما يعكس رغبته النهائية في كبح جماح تلك الميليشيات أو وقف أعمال ابتزاز السكان التي تمارسها... فكل ما فعله أن اعتقل بعض عناصر الميليشيات" قوات الدفاع الوطني" (وهذا بحد ذاته لم يمنع وقوع مزيد من الاشتباكات) لكنه لم يرسل أيًا من قواته لقمع القتال. وفي هذا السياق يبدو أن نظام الأسد غير راغب في الوقت الراهن في الانخراط هناك بشكل فعال، وغير مهتم بكبح جماح هذه الميليشيات. والأرجح أن الأسد يرى في ضرب الميليشيات الإيرانية، للميليشيات التابعة له فرصة لإدارة توازنات القوة بين تلك الميليشيات. لكن هذا كله لا ينفى حقيقة أن نظام الأسد يسير على خيط رفيع مع حلفائه الخارجيين والمحليين. وهناك خطورة تتمثل في احتمال خروج المواجهات بين الميليشيات عن نطاق سيطرته أو تختطفها إيران وتحسمها لصالحها كوسيلة للضغط على الأسد وروسيا. ناهيك عن أن المزيد من الصراع والسلوك الخارج عن السيطرة والقانون من قبل الميليشيات الموالية، سيضر بالوضع على المدى الطويل بالنسبة لنظام الأسد في نظر السكان المحليين، ويخصم من شرعيته لديهم، طالما أنه لم يقم بواجباته في حمايتهم.