بقلم محمد جمعة : غزة تنفصل بالفعل!

بقلم محمد جمعة : غزة تنفصل بالفعل!
بقلم محمد جمعة : غزة تنفصل بالفعل!

خلال الأسبوعين الماضيين اكتسب "مسار انفصال" قطاع غزة عن الضفة الغربية قوة دفع إضافية بعد قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بحل المجلس التشريعي الفلسطيني، واعتزامه إجراء انتخابات تشريعية خلال 6 شهور.


صحيح أننا كنا بالفعل أمام صفحة جديدة من الانقسام الفلسطيني بعد الشروع بالفعل في تطبيق خطة "ميلادينوف" الخاصة بتمويل قطر رواتب موظفي حماس، من خلال آلية دولية، وبعيدا عن السلطة الفلسطينية، وما ترتب على تلك الخطوة من تعميق خروج غزة عن غلاف السلطة. لكن القرار الأخير بحل المجلس التشريعي أطلق العنان لقوى الانقسام للوصول بـ"الصراع على الشرعية" إلى نقطة اللاعودة، وفتح الباب على مصراعيه أمام أسوأ السيناريوهات المتعلقة بالصراع الفلسطيني الداخلي. والشاهد على ذلك، قرار السلطة الفلسطينية بسحب موظفيها من معبر رفح، والتهديد بالشروع في تطبيق "عقوبات ذكية" تهدف إلى تقويض "حكم حماس". وبالمقابل أقدمت "حماس" من خلال كتلة "التغيير والإصلاح" التابعة لها على إعلان نزع الشرعية عن الرئيس محمود عباس.

وعليه فإن الرؤية الشاملة والعميقة لما حدث ويحدث حاليًا، وما يمكن أن يحدث لاحقًا، والاستعداد لمواجهة التحديات والمخاطر؛ ربما تتطلب أن تلتفت مصر إلى ما يلي:

-على الرغم من أن المصالحة الفلسطينية كانت ولا تزال شكلية، لكن قرار حل التشريعي يقترب عمليًا من نعي مسار المصالحة بشكل رسمي، بكل ما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج. بمعنى أن واقع ما بعد حل التشريعي مختلف عن واقع ما قبله. ولا شك أن هذه المستجدات تستدعي مراجعة الخيارات وأنماط الاستجابات من قبل القاهرة.

- في وقت سابق، سعت القاهرة (لبعض الوقت) في التساوق مع طلبات رئيس السلطة الفلسطينية وأولوياته، بتقديم المصالحة على التهدئة، لكن إحجام أبومازن عن تقديم مبادرات قابلة للحل والتطبيق يعقد الموقف كثيرًا. ولا شك أن حالة المراوحة بين حسابات "حماس" والأمر الواقع في غزة، وبين حساسيات السلطة الشرعية في رام الله، ربما لم تعد تتناسب مع مستجدات الميدان وضغوطاته. خاصة وأن عباس وقيادة فتح لم يكتفيا بتجديد القيادة وتعزيز السيطرة على منظمة التحرير، وإنما جرى تجاوز ذلك بما يدفع في اتجاه تغيير الواقع الراهن بشكل كبير.

-ثمة مصلحة أكيدة في ضمان استمرار امتلاك مصر لبعض أوراق الضغط في مواجهة حماس. لكن بالمقابل قد يؤدى التحول باتجاه "دولنة" قطاع غزة، بالتزامن مع استمرار سيطرة حماس على القطاع، إلى توليد ديناميكيات معاكسة، سيتعمق أثرها السلبي أكثر في حال اندلاع صراع داخل حركة فتح على" خلافة أبومازن".

والأكثر من ذلك أن "حماس" لا يبدو أنها (في المدى المتوسط على الأقل) ستتجه نحو حسم التناقض بين ما هو استراتيجي وما هو تكتيكي في موقف الحركة تجاه ملف التسوية. فلا هي بقادرة على تحويل هدفها الاستراتيجي من تحرير كامل أرض فلسطين التاريخية، إلى برنامج سياسي عملي تلتزم به الحركة حتى النهاية.. ولا هي بقادرة على البناء على التحولات والتحركات التكتيكية باتجاه قبول ضمني لحل الدولتين، وباتجاه تثبيت ما هو تكتيكي أو تأبيده، ليتحول في النهاية إلى جزء من الاستراتيجية.

وعند هذه النقطة، ستبدو دائما المقاربة الوسط، وعدم الوضوح، والسياسات المزدوجة، هي الخيار المفضل للحركة. وبالتالي حتى مع انخراط الفواعل الدولية بنشاط مع "حماس" والقبول بقطاع غزة كدولة أمر واقع، ولو من دون إعلان أو اعتراف رسمي لن تكون حماس جزءًا من معادلة الاستقرار... ولكن ستحاول الحركة الاستمرار في اظهار الاعتدال وتبني سياسات برجماتية كي تحصل على القبول والمشروعية الدولية. وفي الوقت نفسه، ستسمح بقدر من " المقاومة المسلحة" سواء من خلال جناحها العسكري أو أحد الفصائل الأخرى الأصغر في القطاع، حتى لا تفقد شخصيتها وهويتها كحركة أيديولوجية تتمسك بـ"المقاومة" سبيلا لتحقيق أهدافها. وهذه السياسية لن تفضي إلى شيء على صعيد تحصيل الحقوق الفلسطينية، ولكن بمقتضاها ستعلق "حماس" في العنف، ومن ثم ستظل "دويلة غزة" بؤرة فاشلة تفيض بمشاكلها وتصدرها إلى مصر.

- النقطة السابقة يترتب عليها ضرورة أن توازن "القاهرة" بدقة بين تداعيات حرب جديدة في القطاع (سواء على صعيد الوضع الأمني على الحدود، أو ما ستفضي إليه على صعيد مستقبل قطاع غزة وعلاقته بالسلطة) وبين التداعيات الاستراتيجية التي يمكن أن تترتب على انخراط مصر في ترتيبات للتهدئة تعمق أكثر فأكثر من خروج غزة عن غلاف السلطة.