مقال بقلم د/ ياسر حسان: بريطانيا والاتحاد الأوروبي ولعبة القط والفأر
ساعات ويبدأ التصويت على سحب الثقة من حكومة تيريزا ماي .. الأمس كان يوم سياسي تاريخي في مسيرة أكبر خامس اقتصاد في العالم .. اعلامنا المصري كان غائباً وأحزابنا السياسية كانت نائمة كالعادة، رغم إن الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك اقتصادي لمصر .. بريطانيا رفضت الاتفاقية وحكومة تيريزا ماي خسرت بنتيجة قاسية، وفي الأغلب البريطانيين على أعتاب انتخابات عامة جديدة .. هذه النتيجة قد تكون مرضية للطرفين.
- أولاً: الاتحاد الأوروبي عاقب بريطانيا بقوة كي لا يخسر دولة بحجمها، ومعروف إن الاتحاد الأوروبي مشروع سياسي بدأ باتفاقية بين فرنسا وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وتوسع بعد ذلك، والسبب إن نتيجة الحرب العالمية الثانية أظهرت قوتين كبيرتين في المساحة وعدد السكان، وأصبح واضحاً أنه لن تكون لأي دولة أوروبية منفردة نفس مكانتها في الصدارة العالمية التي كانت عليها قبل الحرب. بالأضافة الي معاناة أوروبا حالياً من مشكلتين.
المشكلة الأولى ترتبط بالتركيبة السكانية المتجه إلى السن الكبير، وقد عالجت الهجرة ونزوح اللاجئين إلى أوروبا هذه المشكلة جزئياً، وحققت فوائد اقتصادية نتيجة لزيادة الطلب وإكساب سوق العمل بعض المرونة.
أما المشكلة الثانية فهي تتعلق بتراجع الإنتاج، وانخفاض كفاءة كثير من المشروعات وقطاعات الإنتاج في أوروبا. وهي مشكلة تتفاقم مع مرور الوقت، حيث ترتفع تكلفة الإنتاج والأجور، من غير زيادة مناسبة في العائد أو القيمة المضافة، خاصة بالمقارنة مع الدول الواعدة اقتصادياً .. والنتيجة إن انسحاب بريطانيا يقلل فرص استمرارية الاتحاد الأوروبي مستقبلاً في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الأن.
- ثانياً: بريطانيا سوف تستفيد من طرح استفتاء آخر على مشروع مختلف يضمن بقاء بريطانيا وشبح الانقسام برفض اسكتلندا وايرلندا الشمالية مشروع الأنسحاب من الاتحاد الأوروبي .. وفي الحقيقة نتيجة الاستفتاء السابق كان فيها نوع التعبئة الشعبوية أكثر منها برجماتية بسبب ملف الهجرة وخوف البريطانيين من فقدان الهوية وتغيير ثقافة البلاد، ومكمن المشكلة في التأثيرات الاجتماعية والثقافية اللي يبالغ البعض في استغلالها سياسياً، خاصة مع تصاعد تأثير اليمين المتطرف .. هذا عدا المصالح الحزبية التي تحققت من وراء رفض الاتفاقية وهي تستحق مقالاً منفرداً عنها.
ببساطة كان استفتاء بريطانيا عنصرياً وخارجاً عن حدود المنطق والعقل، ونتيجة الأمس أوقفت اللعبة وجعلت الجميع يبدأ من جديد وعلى نظافة في التفكير بهدوء لصالح أوروبا قوية في المستقبل ..