بقلم أحمد موفق زيدان: هكذا اخترق النظام المعارضة السورية!

بقلم أحمد موفق زيدان: هكذا اخترق النظام المعارضة السورية!
بقلم أحمد موفق زيدان: هكذا اخترق النظام المعارضة السورية!

حين أُعلن عن تشكيل المجلس الوطني السوري، استبشر السوريون خيراً، ورفعوا على الفور لافتة أن المجلس الوطني يمثّلني؛ فعلى مدى عقود كان الممثل الوحيد الذي يقدم نفسه للشعب هي العصابة الطائفية الحاكمة.


تفاجأ النظام السوري، مع بداية الثورة السورية، بشريحة شبابية تطالب بسقف عالٍ لم يعتد عليه النظام ولم تعتد عليه سوريا من قبل، كانت المفاجأة للجميع أن شباباً لا يُعرف عنوانهم ولا يُعرف صندوق بريدهم ولا يُعرف عنهم الكثير يطالبون بمحرمات ظلت لنصف قرن.. إنها محرّمة المطالبة بإسقاط النظام. وهنا عقدت الدهشة النظام وأركانه ومؤسساته، فكان البحث عن شخصيات تقليدية ومؤسسات أكثر تقليدية معروف عنوانها، ومعروف حجمها، ومعروف بالنسبة للنظام ومؤسساته كيفية التعاطي معها والتعامل معها بحكم خبرته السابقة معها.

وحين أُعلن عن تشكيل المجلس الوطني السوري، استبشر السوريون خيراً، ورفعوا على الفور لافتة أن المجلس الوطني يمثلني؛ فعلى مدى عقود كان الممثل الوحيد الذي يقدم نفسه للشعب هي العصابة الطائفية الحاكمة، والتي استطاعت خلال تلك الفترة العمل على تصحير الحياة السياسية والاجتماعية السورية، من أجل أن تستفرد بالساحة لنفسها، لكن ظهور المجلس أحبط هذا المخطط، ومن جهة أخرى ربما أراح العصابة؛ لكون شخصياته معروفة لدى النظام، وقد يكون التعاطي معها أسهل من التعاطي مع شباب سقفهم السماء.

لكن للحق والحقيقة، فقد كان موقف المجلس الوطني السوري صلباً وواضحاً ومنسجماً مع الثورة، ولذا فقد تقلّصت مساحات الخلافات بين الثورة أيام قوته، ولم تظهر أية مظاهر تطرّف حينها، وظلت الساحة السياسية السورية ممثلة به، ولكن العصابة الطائفية ومن خلفها أصدقاؤها وأعداء الثورة كانوا على الدوام يطالبون بتوسيع المجلس، واستجاب لهم بعض السذج سياسياً للأسف، فكان أن تمت توسعته وأُدخلت بعض العناصر المحسوبة على هذه الدولة أو تلك، وهو ما جعل ثقل الثورة السورية أقل، يقابله ازدياد ثقل العصابة الطائفية وغيرها من الدول، وتضاعفت الأمور وازدادت الزاوية انفراجاً مع تشكيل هيئة التفاوض، وضم منصتي القاهرة وموسكو، حتى غدت شخصية مثل خالد المحاميد -المزروع إماراتياً وروسياً- يمثّل نائب رئيس هيئة التفاوض، وغيره كثير، فكانت الكارثة بتسليم درعا وغيرها من المناطق الثورية، ومن قبل تمزيق الثورة عبر التعامل مع نقاطها ومقاطعاتها كبؤر الواحدة تلو الأخرى.

هذه الثورة -كغيرها من الثورات في العالم- لا يمكن أن تحلّق بجناح واحد، وإنما لا بدّ لها من جناحين، وجناحاها هما السياسي والعسكري، بحيث يكون الأول صدى للثاني.. أما أن يكون الأول في وادٍ والآخر في وادٍ، فهذا ما يخدم أعداء الثورة ويخدم العصابة الطائفية المجرمة التي استطاعت أن تنفذ من خلال الفروقات والاختلافات بين الكتلتين، لتضرب الثورة والثوار.

تتحمل في النهاية الكتل العسكرية الوازنة للثورة السورية مسؤولية كبيرة في تقاعسها عن الدفع بتمثيل سياسي يمثلها ويترجم انتصاراتها العسكرية على الأرض لسياسية، وفي أحسن الأحوال كانت بعض الكتل العسكرية تحاول ترجمة انتصاراتها وإنجازاتها العسكرية على شكل انتصارات سياسية فصائلية حزبية، بعيدة كل البعد عن الانتصارات الوطنية الثورية التي يمكن أن تخدم الثورة وتصب في صالح المشروع الوطني الجامع المانع.

المسألة مسألة دماء ومسؤولية أمة ومسؤولية أجيال، ولا بدّ من ملامسة الخطر حقيقة وفعلاً، ولا بدّ من البحث في الأمر بجدية، وعلينا المسارعة في توحيد الساحة العسكرية -حقيقة وفعلاً- والدفع بتمثيل سياسي لهذه الثورة بعيدة كل البعد عن المحاصصات الدولية والمناطقية والحزبية، وإنما لا بدّ من تمثيل سياسي حضوره ووجوده على الأرض، ويكون خروجه خارج الوطن بهدف العودة إلى عشّه ووطنه، لا أن يبقى على أراضي الغير مؤتمِراً بأوامره!