بقلم فوزة اليوسف: سوريا.. التحديات واستراتيجية الحل
عقب قرار الرئيس الأمريكي بالانسحاب السريع من سوريا ، تم تداول الكثير من السيناريوهات حول تداعيات هذا القرار ، و يبدو أن هذه السيناريوهات ستزداد و تكثر تبعا لتغريدات ترامب اليومية المتغيرة و المتناقضة، و لأن هذه التغريدات منصبة بالدرجة الأولى على مناطق الإدارة الذاتية في شمال و شرق سوريا ، سيبقى موقفنا هو من يحدد يقينا أي السيناريوهات ستجد طريقها إلينا.
لطالما كانت لدينا استراتيجية حل خاصة بنا ، قبل مجيء التحالف الدولي و بعده، على الرغم من كل مآلات الحرب السورية و على الرغم من كل الاتهامات التي وجهت إلينا بقيت استراتجيتنا للحل هي هي ، تطوير الحل الديمقراطي ضمن سوريا.
كما كان الأمر في عام 2011 بقي كما هو في عام 2014 و سيبقى الامر نفسه في عام 2019 ، الاستراتيجية نفسها كانت دوما حاضرة ، ليست في سبيل إرضاء أحد أو مغازلة أي جهة كانت ، سورية أو غير سورية ، إنما لإيمان راسخ لدينا في أن الحل الأمثل لأزمة هذه البلاد هو نظام ديمقراطي يشمل كل سوريا يضمن حقوقنا ككرد كما يضمن حقوق كل المكونات الاثنية و الدينية الأخرى.
في أول اجتماع في قاعدة حميميم كان هذا الطرح حاضرا و كانت حينها معركة منبج ما زالت على أشدها و لم تكن المناطق الاخرى قد تحررت بعد و في كل فرصة لاحقة قمنا بالتأكيد على هذا الشيء.
كنا أول جهة عقدت منتدى للحوار الوطني في سوريا ، كان ذلك في مدينة رميلان عام 2016 و تم دعوة المعارضة الداخلية و باقي الاطراف السورية لمناقشة قضايانا فيما بيننا. هذا يستدعي القول أننا لم نقدم على ذلك بسبب احتلال عفرين أو بسبب التهديدات التركية لباقي المناطق الأخرى و الانسحاب الأمريكي كما يروج له البعض.
نؤمن بأن الكرد و العرب و السريان و كل المكونات الاخرى تجمعهم روابط تاريخية وثيقة و لديهم الكثير ليجتمعوا عليه بدلا من قتلهم بعضهم البعض و انكار هوية بعضهم البعض ، فخيار العيش المشترك و الوطن المشترك الذي ليس فيه امتياز لقومية على قومية أو هوية على هوية أو ثقافة على ثقافة هو الخيار الذي عملت عليه الادارة الذاتية الديمقراطية منذ البدء.
بات واضحا أن استراتيجية التعايش هذه التي اعتمدناها قد قضت مضاجع تركيا ، و من أجل ضرب هذا التعايش عملت كل ما بوسعها لضرب الكرد بيد مرتزقة عرب في عفرين و تعمل اليوم على تطوير نزاع عربي-كردي و عربي-عربي كما عملت سابقا على ذلك عن طريق جيشها الانكشاري و الطابور الخامس. لا يقتصر هدف أردوغان على احتلال أجزاء من سوريا فقط ، بل تحقيق ما فشلت داعش وجبهة النصرة في تحقيقه، ألا و هو دق إسفين بين شعوب المنطقة.
إنها لعبة خطيرة ، و جهل الفصائل المرتزقة ( العربية)، و التي لا تمثل الشعب العربي ويتم استخدامها لزرع بذور الشقاق بين العرب و الكرد، يشكل كارثة ما بعدها كارثة، لذا فإن الوقوف ضد هذه اللعبة الخبيثة واجب على كل سوري أيًا كان موقعه أو موضعه ، ذلك أن ما يتم التخطيط له لن تقتصر تداعياته على شمال و شرق سوريا فقط بل ستمتد إلى كل المناطق السورية الأخرى و قد يأخذ شكل حرب أهلية لا تبقي و لا تذر ، و هذا أسوأ سيناريو يمكن أن يواجه سوريا.
من هذا المنطلق نرى بأن الجهود التي تصب في سبيل إيجاد حل ديمقراطي سوري-سوري يعتبر أمرًا حياتيا. ما تم في منبج كانت خطوة صغيرة يمكن البناء عليها و تحويلها الى حل شامل، وهو حماية الحدود السورية من قبل الدولة، و ان تحمي الإدارات الذاتية وجودها بشكل منسق مع مؤسسات الدولة.
لم ننفِ وجود الدولة و هي في أضعف حالاتها خلال السنين السبعة الماضية، و في ذات الوقت لم نقبل أيضا بكسر إرادتنا في إدارة أنفسنا بأنفسنا.
إذا كان تقييم البعض لمواقفنا المسؤولة بالرغبة في التفاوض وإيجاد تسوية قائمة على استراتيجيتنا تلك، على أنه ضعف، فهو يشي بحجم الجهل الذي يفتك ببعض العقول حول حقيقة مواقفنا طوال السنين السبع الفائتة. سيبقى مبدأ "اذا كنّا نملك كل جيوش العالم فلن نهاجم أحدا و اذا هاجمتنا كل جيوش العالم فلن نستسلم " البوصلة التي تحكم اتجاه خطواتنا و خطنا الاحمر الذي لن نفرط فيه.
لذا فإن ما نعمل عليه تجنيب سوريا مؤامرة كبيرة تهدف الى الإبادة الثقافية و تستهدف مستقبل كل سوريا ، و على ذلك تقع مسؤولية افشال هذه اللعبة و هذه المؤامرة على كل القوى السياسية السورية، بما فيها الحكومة السورية.