بقلم أحمد موفق زيدان: من ووتر غيت إلى خاشقجي غيت
جبل الجليد من التآمر والخفايا لما حدث بالثاني من أكتوبر، بالقنصلية السعودية بإسطنبول (مقتل خاشقجي)، سيظل يسرق اهتمام وأنظار العالم الحر.
الموقف الأخلاقي والمبدئي والمهني الذي اتخذته صحيفة "واشنطن بوست"، ومعها الإعلام الأمريكي والغربي، وقناة الجزيرة في العالم العربي، بالإضافة إلى إعلاميين ومغرّدين مستقلين، كان لافتاً وسيسجله التاريخ بأحرف ذهبية؛ فقد أعاد هذا كله إلى الإعلام هويته ووظيفته، وذكّر البعض بالدور الريادي الذي لعبته صحيفة "واشنطن بوست" عام 1974؛ حين أجبرت الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون، يومها على الاستقالة؛ لدوره في التجسس على منافسيه في الحزب الديمقراطي.
لكن الموقف غير الأخلاقي الذي سيظل يلاحق صحفاً ومؤسسات إعلامية عربية وإعلاميين عرباً هو تبريرهم وصمتهم وتواطؤهم مع قتلة جمال، والأغرب أن يغيب عن الصحف التي ترأسها أو عمل معها أي تعاطف أو عكس لحقيقة ما جرى له.
جبل الجليد من التآمر والخفايا لما حدث في الثاني من أكتوبر، بالقنصلية السعودية في إسطنبول، سيظل يسرق اهتمام وأنظار العالم الحر، ويستقطب كل الأحرار لمعرفة ما جرى بالتفاصيل، ما دامت القضية تتعلق برمز من رموز الحرية وحقوق الإنسان، وشخصية تحولت أيقونة حقيقية على طريق الربيع العربي، خصوصاً أن صاحب هذه الشخصية -وهو الصديق العزيز جمال خاشقجي- حمل راية الربيع العربي ووقف مع كل ثوراته وأحراره، وهذا الوقوف ليس وليد اليوم؛ فقد كان موقفه معروفاً مع ثورة الشعب السوري منذ الثمانينيات أيام حافظ الأسد.
إنكار الحكم السعودي خطف وقتل جمال في البداية ثم الاعتراف بمقتله في شجار، يشير إلى أن جبل الجليد من الإجرام والحقد والكراهية سينكشف وربما يستغرق وقتاً، لكنه بحاجة إلى متابعة ومواصلة دؤوبة من كل أحرار المهنة الإعلامية للوصول إلى العدالة الحقيقية.
اغتيال جمال لم يعد حدثاً سعودياً ولم يعد حدثاً عربياً. ومن ظن أن السيادة الوطنية تحصّنه من ارتكاب جريمة بحجم هذه الجريمة على أرض أجنبية فهو واهم، لا سيما في ظل اكتساح "النيوميديا"، وفي ظل كون الضحية شخصية عالمية مرموقة لديها من الأصدقاء والزملاء والمحبين ما يفوق دولاً، فهلا اعتمدت مثل هذه الدول على رواحل وشخصيات محورية كجمال تستطيع حملها وحمل من هو أكبر منها بدلاً من اعتمادها على ذباب إلكتروني وبعيره، إنما هو كَلٌّ على مولاه أينما يوجّهه لا يأتِ بخير، ضعُف الطالب والمطلوب!
ليس هناك حل أمام جمال غيت إلا ما حصل أيام نيكسون. فلإنقاذ النظام والسيستم لا بد من التضحية بالرأس، وإلا فمن سيدفع الثمن، وقد دفعته للأسف بلاد الحرمين الشريفين، التي بعد أن كانت جزءاً من الحل أصبحت جزءاً من المشكلة مع الجميع: مغامرات باليمن بالالتفاف على حرية الشعوب، وتواطؤ في مصر واليمن إلى سوريا، وتآمر على تركيا وتعاون مع خصمها التاريخي؛ عصابات كردية متحالفة مع أعداء الأمة من الطائفيين في دمشق إلى كل من يتربص شراً بها، وفوق هذا تبديد لثروتها وخطف واعتقال وأسر.