عبر تصعيد حوثي .. هل تخفّف إيران عن الأسد باستهداف الرياض؟

بينما يترقّب العالم ضربة تشنّها الولايات المتحدة الأمريكية وربما فرنسا ودول أخرى ضد قوات بشار الأسد في سوريا، وتؤيّدها السعودية، باغت الحوثيون المملكة وأرسلوا صواريخ باليستية نحو عدد من المواقع بالعاصمة الرياض وغيرها، واستخدموا طائرات مسيّرة.


ومنذ صباح الأربعاء 11 أبريل 2018، تتبادل واشنطن وموسكو وطهران التصريحات بشأن ردّ أمريكي-غربي محتمل على المجزرة الكيماوية التي ارتكبها نظام الأسد هذا الأسبوع في مدينة دوما بغوطة دمشق الشرقية، والتي أودت بحياة 78 مدنيّاً بينهم أطفال.

تزامناً مع ذلك أطلقت مليشيا الحوثي المتحالفة مع إيران صاروخين باليستيين؛ أحدهما باتجاه جازان جنوباً، وآخر نحو العاصمة السعودية ووزارة الدفاع تحديداً، وذلك بعد ساعات من إعلان المملكة إسقاط طائرتي استطلاع إحداهما فوق مطار أبها جنوبي البلاد.

وتناقلت وسائل إعلام أنباء بشأن سماع دويّ انفجارات في الرياض، ليعلن الحوثيون بعدها شنّ عملية استهداف "واسعة" في المملكة.

 تصعيد مفاجئ أمام السعودية
وقد يكون التصعيد الحوثي المفاجئ ضد الرياض نوعاً من الضغط الإيراني على السلطات السعودية لدفعها إلى التدخّل لدى حليفها الأمريكي للتفكير قليلاً فيما سيفعله مع النظام السوري، خاصة أن سوريا كانت محور مباحثات ولي العهد السعودي خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، ولم يخفِ جاهزيته للعمل العسكري.

فرنسا أيضاً ليست بعيدة عن اللعبة، فبينما يزور بن سلمان باريس، أكّدت صحف فرنسية أن مقاتلات رافال المرابطة في قاعدة سانت ديزييه شمال شرق البلاد بانتظار قرار من الرئيس، إيمانويل ماكرون، لقصف مواقع تابعة للأسد في سوريا.

ورغم أن ولي عهد السعودية أعلن صراحة موقف بلاده القابل ببقاء الأسد في حكم سوريا، فإنه ركّز على أن يكون (الأسد) قوياً وليس مجرد أداة بيد الإيرانيين.

تضارب تصريحات بن سلمان بدا تردّداً في تأييد شكل التخلّص من تقوية إيران لحلفائها الذين تحوّلوا إلى صداع برأس الأمير الشاب، وخاصة الحوثيين الذين هاجمهم عام 2015 بحثاً عن نصر عسكري سهل.

محاولات إيران إنقاذ الأسد بشتّى الطرق بدت واضحة فيما نقله التلفزيون الرسمي عن علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، حيث قال، الأربعاء: إن "طهران ستقف بجانب دمشق ضد أي عدوان أجنبي".

وقال ولايتي أثناء زيارته الغوطة الشرقية بسوريا: "إيران تدعم سوريا (نظام الأسد) في الحرب ضد أمريكا والنظام الصهيوني".

من جانب آخر، وفي ظل التقارب بين تل أبيب والرياض، تروّج حكومة الاحتلال لاشتراكها مع المملكة في مواجهة إيران، وأعلن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أنه أوضح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، أن "إسرائيل لن تسمح لإيران بالتمركز عسكرياً في سوريا".

ويبدو أن طهران، ومن قبلها موسكو، أدركت أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يمارس الحكم بعقلية المستثمر، لن يتراجع بسهولة عن ضرب الأسد، وإن فعل فإن ذلك سيتطلّب مقابلاً مالياً ضخماً، خاصة أنه (ترامب) يمضي في تنفيذ ما تعهّد به مهما كانت النتائج أو التحذيرات.

وإن كان الأسد وحلفاؤه لن يدفعوا لترامب ما يجعله يتراجع عن ضربته المحتملة أو يخفّفها على أقل تقدير، فإن هناك في السعودية وليّ عهد دأب منذ ظهوره على عقد كل ما يريده البيت الأبيض من صفقات، وهو ما يدرك داعمو الأسد إمكانيّة استخدامه لثني ترامب عن معاقبة النظام السوري.

ورغم أن الضربة الأمريكية في سوريا لن تضرّ السعودية وستوجع الإيرانيين، فإن ضربة حوثية في الرياض تترك أثراً أكبر على وليّ العهد الذي لا يتوقّف عن التهديد بقطع أذرع إيران بالمنطقة.

ويمكن لبن سلمان الموجود حالياً على بعد خطوات من الرئيس الفرنسي، التفاهم مع باريس بشأن ضربتها المحتملة للأسد، خاصة أن ماكرون لم يذهب بالتهديدات بعيداً كما ذهب نظيره الأمريكي.

لكن وسائل إعلام فرنسية تحدثت، الاثنين 9 أبريل 2018، عن تنسيق بين هيئة الأركان الأمريكية ونظيرتها الفرنسية لشنّ هجوم جوّي كبير على مواقع استراتيجية قرب العاصمة دمشق.

ضربة غامضة
ما يجعل هذه النظرية مقبولة بعض الشيء هو أحاديث الخبراء الدوليين عن الضربة الأمريكية المحتملة للنظام السوري، والتي يقولون إنها قد تكون قوية إلى درجة تجعلها تقلب موازين القوى، وقد تكون محدودة كما حدث عام 2017؛ عندما قصفت واشنطن قاعدة "الشعيرات" ردّاً على مجزرة خان شيخون.

الدكتور دانيال سيروير، الباحث بمعهد الشرق الأوسط، يرى أن الضربة الأمريكية المحتملة إما أن تكون "قوية للغاية" وتغيّر من موازين القوى، وإما أن تكون محدودة على غرار ما حدث العام الماضي (قصف الشعيرات).

وفي حوار مع وكالة الأنباء الألمانية، أضاف سيروير: "الضربة الأمريكية قد تدمّر القوة العسكرية لنظام الأسد بشكل كامل؛ كالطائرات والمطارات، ومراكز التحكّم والاتصالات، ومصانع إنتاج السلاح الكيميائي، بما يضمن عدم استخدام هذا السلاح أو أي سلاح آخر ضد المدنيين. ومن الممكن أيضاً استهداف القصور الرئاسية التي يتنقّل بينها بشار الأسد".

وثمة تقارير إخبارية تتحدّث عن مغادرة الأسد قصر الرئاسة بصحبة فرقة روسية، وذلك بالتزامن مع إخلاء مطارات وقواعد عسكرية من الجنود والعتاد ونقلها إلى قواعد روسية لتجنيبها أي قصف محتمل.

ويتابع الباحث بمعهد الشرق الأوسط: "من الأهداف التي يمكن أن تستهدفها واشنطن قواعد حزب الله والقواعد الإيرانية في الداخل السوري، وكذا قواعد وتجمّعات المليشيات الشيعية، كما قد يتم استهداف الدفاعات الجوية الروسية".

أما الأهداف الصغيرة، بحسب سيروير، فقد تكون على غرار استهداف قاعدة عسكرية أو اثنتين كما حدث في الضربة التي نُفّذت في العام الماضي، ومثل هذه الضربات لا يكون لها تأثير كبير على الأرض.

ما يعزّز إمكانية تعمّد حلفاء الأسد الضغط على الرياض هو حديث سيروير عن أن غياب حلفاء أقوياء لأمريكا يمكنهم الإمساك بزمام الأمور حال تطوّرت الأحداث، ودخل الروس (وهو أمر يجزم به سيروير) على خطّ الانتقام؛ خصوصاً إذا قُتل الأسد، أو سقط جنود روس في الضربة الأمريكية.

وقد نقلت قناة "الجزيرة" الإخبارية عن وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، أن الجيش الأمريكي "مستعدّ لتقديم خيارات بشأن ضرب سوريا إذا كان ذلك مناسباً". كما أن وزارة الدفاع "البنتاغون" رفضت الإفصاح عما سيحدث، مؤكّدة أنها "لا تعلّق على عمليات عسكرية محتملة".

في ظل هذا الغموض الكبير الذي يكتنف الضربة الأمريكية المحتملة، ومن ثم نتائجها، تبدو الرياض كالواقف بين نارين؛ فهي إما أن تواجه تصعيداً إيرانياً غير مباشر عبر الحوثيين لكونها حليفة واشنطن، وإما أن تتدخّل لكبح جماح ترامب.

وإن كانت السعودية عاجزة عن المضيّ حتى النهاية في أحد الأمرين أو كليهما بما يضمن هيبتها وسلامة أراضيها، فإنها بحسب مراقبين ما زالت تمتلك فرصة المحاولة مع حليفها الأمريكي المولع بأموالها طوال الوقت لإقناعه بالاكتفاء بضربة تحفظ له هيبته وتحفظ للأسد قوته، وتنجيها من مستقبل قد لا تستطيع مجابهته.

يُشار إلى أن الحوثيين استهدفوا الأراضي السعودية بـ 11 صاروخاً خلال 10 أيام، وذلك في الفترة من 25 مارس 2018 وحتى 5 أبريل الجاري. وقد سقط أحد الصواريخ في الرياض وقتل وافداً مصرياً، في حين استخدموا الطائرات المسيّرة (الإيرانية) لأول مرة داخل المملكة.