بقلم مي عبد الباقي: دعوة إلى الانقراض

بقلم مي عبد الباقي: دعوة إلى الانقراض
بقلم مي عبد الباقي: دعوة إلى الانقراض

ألا ترى معي أن الإنسان كائن مزعج؟ منذ أن خُلق والكون يعاني. في البداية كان مسالمًا كسائر الكائنات يريد أن يعيش، يأكل ويتكاثر لكن مع الوقت بدأ في اكتشاف «العقل» وأدرك معنى «التفكير» فبدأ رحلة –كما يطلق عليها- التطور. وكان تطورًا خجولًا في البداية مثل بناء مبان من الطين واكتشاف النار حتى وصل للثورة التكنولوجية التي نحن بصددها الآن، ولكن هل هذا العقل الجبار المتميز عن سائر الكائنات نعمة أم نقمة؟


إذا نظرت عن كثب ستجده مثل السُم المغلف بالعسل،ظاهره نعمة وباطنه نقمة. أرى في عينيك ملامح عدم التصديق،حسنًا سوف أثبت لك صحة ما أقول في السطور التالية. في البداية أنشأ الإنسان جماعات وكانت تتميز عن بعضها بوفرة الطعام أو بجمال النساء وهكذا. فاستخدم عقله الجبار وفكر، فشعر بالغيرة مثل قصة قابيل الذي قتل أخاه هابيل من أجل زوجته الحسناء.

بعد ذلك بادر هذا العقل الفذ بالتفكير مرة أخرى، فقرر تطوير مسكنه فأسرع بتدمير الأشجار وتشريد الملايين من الحيوانات التي كانت تعتبرها مسكنًا كي يستخدم أخشابها. ومع مرور السنين بدأت الفروقات الهائلة بين المجتماعات تظهر، فانتشرت الحروب وقتل الإنسان بني جنسه من أجل أحلام السيطرة والتوسع فهو لم يكتف بلذة تدميره للكائنات الأخرى. قرأت ذات مرة مقولة تقول «إن الحيوان يقتل من أجل الغذاء على عكس الإنسان الذي يقتل من أجل فرض السيطرة» وهي مقولة غير صحيحة فبعض الحيوانات تقتل من أجل فرض السيطرة أيضًا، ولكن الغريب أن الإنسان يقتل في بعض الأحيان من أجل المتعة فقط!

ولم يقتصر الأمر على القتل البدائي وتدمير البيئة فلقد استخدم هذا العقل الفذ في اختراع النظريات السياسية وتطور القتل من قتل بدائي إلى قتل أكثر تحضرًا، «قتل من أجل اختلاف الأفكار» وهذا النوع يشمل الأفكار الدينية والسياسية، فلقد أنزل الله الدين لتنظيم حياة البشر فاستخدمه البشر للقتال فيما بينهم على عكس الهدف الأساسي المرجو من هذا الدين. وفيما يخص السياسة اختار الإنسان الحالي النظرية الأكثر عدلًا من وجه نظره وأسرع في الدفاع عنها ألا وهي «نظرية الديمقراطية» التي لا أختلف معها كثيرًا ولكن مثلما أنتجت الديمقراطية شخصًا مثل «جاستن ترودو» أفرزت لنا أيضًا شخص مثل «دونالد ترامب».

 رأيت ذات مرة فيلمًا أمريكيًا أُنتج عام 2007 يحمل اسم Idiocracy. تدور أحداث الفيلم حول شاب متوسط الذكاء قام بالمشاركة في تجربة علمية يقوم فيها علماء عصره بتجميد جسده ليستيقظ في المستقبل وعندما عاد إلى الحياة مرة أخرى أو استيقظ من سباته بمعني أصح، وجد أن العالم قد تغير تمامًا وأصبح هو عبقري هذا الزمان لأن جميع البشر أصبحوا من الأغبياء، وقد تم بناء هذه الفكرة على حقيقة علمية ألا وهي «أن الأشخاص الأكثر ذكاء قد عزفوا عن الزواج نهائيًا والمتزوجين منهم قرروا عدم الإنجاب أو على الأقل الاكتفاء بطفل واحد بينما الأشخاص الأقل ذكاء ينتجون الأطفال بلا توقف» فأصبح لدينا مجتمع أكثره من الأغبياء ومع الوقت انقرض الأذكياء تمامًا -من وجهة نظر كاتب الفيلم- وهذا ما استيقظ عليه البطل فكان هو أكثرهم ذكاء ونتيجة إلى نظام الديمقراطية الذي كان لا يزال متبعًا في هذا الزمن، فأصبح رئيس جمهورية أعظم دولة في العالم شخصًا أبلهًا لا يفقه شيئًا فساعده البطل متوسط الذكاء -في الحقيقة- في حل المشكلات الأساسية التي تواجهها الدولة في ذلك الوقت وهي مشكلات يستطيع أي طفل صغير حلها ولكن نتيجة لاختفاء الأذكياء تمامًا كان من الصعب على المجتمع التوصل لهذه الحلول البسيطة. ألا ترى معى أن قصة الفيلم مشابهة للواقع إلى حد مبالغ فيه؟

إذا لم تقتنع بعد بدعوة الانقراض يمكنك أن تبحث عن إحصائيات مثل «كم قتل الإنسان من أسماك القرش وكم قتلت أسماك القرش من البشر؟» أو استبدل سمك القرش بأي حيوان مفترس آخر سوف تجد نفس النتيجة. أو ابحث عن سبب اختراع الديناميت وفيما استُخدم. الغريب أن بعد كل هذا global warming يشتكي البشر من ثقب الأوزون والاحتباس الحراري وكل المشاكل التي كان هو سبب حدوثها في الأساس. هل اقتنعت الآن أن الدعوة إلى انقراض الإنسان ليست بالفكرة المجنونة؟ إذا كنت اقتنعت هيا ننقرض في سلام مثلما فعلت الديناصورات كانت بجسد ضخم وعقل مثل حبة البازلاء، فأدركت هذا وتركت العالم ليكون مكانًا أفضل. فإذا كنت تريد معرفة طريقة الانقراض فهي بسيطة لا داعي للأساليب الدموية مثل الانتحار الجماعي وما إلى ذلك. يمكننا أن نمتنع عن الإنجاب جميعًا، هي طريقة تحتاج إلى بعض الوقت ولكنها فعالة. ولكن إذا كنت لا تحبذ ذلك وتريد إنجاب الأطفال فهناك حل آخر يمكننا تفعيله. لم لا نربي أولادنا تربية صحيحة ولا ننجب أكثر من طاقتنا المادية والنفسية حتى نستطيع إخراج إنسان أكثر فاعلية قادر على استخدام عقله بالطريقة الصحيحة؟ وفي نهاية الكلام ومن أجل الحفاظ على الموضوعية لا أنكر أن هناك بعض الأشخاص يقدمون الكثير من الفائدة لهذا العالم ويستخدمون هذا العقل الذي أنعم الله عليهم به الاستخدام الأمثل. ولأكون عادلة المشكلة تكمن في استخدام الإنسان للعقل ليس في العقل نفسه، فلما لا نهتم بإنتاج بشر لديهم القدرة على استخدامه بالشكل السليم؟

على كل حال يوجد أمامك الآن الطريقة بديلة من أجل عالم أفضل مع أنني شخصيًا ما زالت أرجح فكرة الانقراض.