بقلم أحمد نور الدين: زيارات إسرائيلية أفريقية متكررة
"الفرص في أفريقيا لا تحصى، وإسرائيل تملك ما تحتاج أفريقيا في مجال الزراعة، والصحة، والأمن، وفي كل دولة ندخل إليها ونقيم تحالفات وتعاون، نطرد إيران منها ونعزلها أكثر"، بهذا التصريح المباشر المهم، عقَّب وزير الدفاع الاسرائيلى أفيجدور ليبرمان على زيارته التاريخية الأولى -أمس الاول- للقارة الأفريقية، وتحديدا لكيجالي، عاصمة رواندا، حيث التقى فيها بول كاغامه رئيس رواندا، وجيمس كاباربه وزير الدفاع، ولويز موشيكيوابو وزيرة الخارجية،، كما زار البرلمان الرواندى، ووقّع اسمه في كتاب الزوار، ثم شملت زيارته أيضا بعد ذلك أوغندا وتنزانيا وزامبيا.
ووفقا لما أورده "معيان بن حامو" بالمصدر الإسرائيلي، وتحت عنوان: لماذا زار وزير الدفاع الإسرائيلي رواندا؟، فقد أعرب ليبرمان أمام رئيس رواندا، أنه فخور لكونه وزير الدفاع الإسرائيلي الأول الذي يزور رواندا، وأن العلاقات بين البلدين أصبحت أقوى من أي وقت مضى، وزيارته هذه تشكل أهمية تاريخية وتعاونا للعلاقة بين البلدين، سعيا لمستقبل أفضل من أجل مواطني البلدين، آخذ بالتقدم.
ورغم أن هذه الزيارة تمثل الأولى التي يجريها وزير الدفاع الإسرائيلي إلى القارة الإفريقية منذ عشرات السنوات، ولم تحظَ بتغطية إعلامية واسعة بالكيان الصهيونى، بهدف التوقيع على صفقة أسلحة بين البلدين، سعيا منه إلى عرضها على رواندا، رغم قرار حكومته المثير للجدل لطرد آلاف المهاجرين الأفارقة إلى الدول الإفريقية، إلا أن تلك الزيارات من نوعية "شديدة السرية" لا تنتهى، ولا تتوقف، إذ تمثل العلاقات الإسرائيلية- الافريقية زواجا كاثوليكيا، لا طلاق، ولا انفصال فيه، تتوغل وتزداد فيه أواصر العشق والوله بين المعشوقين، منذ عقود عديدة كثيرة، وليست وليدة اليوم.
من أهم الدلائل المؤكدة لحديثى، زيارة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، في الخامس من يوليو عام ستة عشر وألفين، بجولة إفريقية واسعة شملت أربع دول، أوغندا وكينيا ورواندا وأثيوبيا، سعيا للحصول على صفة عضو مراقب في الاتحاد الإفريقي، استغلالا لغياب التأثير والنفوذ العربيين اللذين كانا واضحين حتى مطلع الألفية الثالثة، وشدد حينها نتنياهو في مؤتمر صحفى مع الرئيس الكيني أوهورو كينياتا: "إذا نالت إسرائيل بالفعل هذه المكانة، فإن هذا التطور سيقود إلى تغيير استراتيجي في مركز إسرائيل على الصعيد الدولي"، مؤكدا أنه يسعى إلى توسيع دائرة علاقات بلاده مع دول إفريقيا، وأن هذه الخطوة ستؤدي إلى اندثار الأغلبية التلقائية المضادة لإسرائيل على الساحة الدولية، كما انه وخلال زيارته إلى مدينة عنتيبي الأوغندية وقبل زيارة كينيا، اجتمع نتنياهو مع زعماء سبع دول إفريقية، حيث أبلغه وزير خارجية تنزانيا عن نية بلاده فتح سفارة لها لدى إسرائيل.
ولك أن تعرف قارئى الحبيب، أن نتنياهو في جولته الأفريقية تلك، رافقه ثمانون رجل أعمال يمثلون خمسين شركة إسرائيلية، بهدف خلق علاقات تجارية مع شركات ودول إفريقية، كما لك أن تتخيل حجم تلك العلاقات التجارية والمالية، وعائد استثماراتها الباهظ على الكيان الصهيوني و تلك الدول الافريقية، وهكذا لا يستبعد كل المراقبين امتداد نفوذ إسرائيل العملي الفعلى في إفريقيا، في غياب واضح لدولنا العربية المكتفية بالدعم المالي لقطاعات معينة، بينما تتوغل إسرائيل بالعمل على تنمية قطاعات متنوعة في الكثير من دول إفريقية، خاصة التي لديها مشاكل وخلافات مع الدول العربية.
ثم مشاركة نتنياهو في القمة الـ 51 للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "الإيكواس"، وما لحق ذلك من ترتيبات قمة "إفريقيا - إسرائيل" في لومي بتوجو، حول الأمن والتنمية، في أكتوبر 2017، بهدف تخليق ملفات تعاونية بين إسرائيل ودول إفريقيا، والتي أثمرت عن تطويق النفوذ الإيراني ، كما صرح وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان في زيارته الأخيرة، وكان هدف إسرائيل فيها التغلغل فى الغرب الإفريقي، محاصرة للنفوذ الإيراني، بعد أن قامت إيران بتحويل عدد كبير من المسلمين السنة في غرب أفريقيا، الى مذهبها الشيعي الإثني عشري، إضافة لتقويض وتقليص نشاط حزب الله المالي والاقتصادي التابع لإيران في إفريقيا، بإنشائها عدة مؤسسات استثمارية لرجال أعمال إسرائيليين في ساحل العاج، فضلا عن إنشاء شركات للحراسة والأمن لجمع قاعدة بيانات عن عناصر حزب الله في البلدان الافريقية، وخريطة انتشارهم، ومستوى تأثيرهم الاقتصادي.
تذكر الباحثة في العلوم السياسية إيمان زهران في تحليلها السياسى "ماذا تريد إسرائيل من مشاركتها في "قمة توجو" الإفريقية؟ بمجلة السياسة الدولية، أن التعاون الاقتصادي مع دول إفريقيا يعد أحد أهم دوافع التقارب الإسرائيلي- الإفريقي عن طريق إنشاء صناديق إسرائيلية للاستثمار في القارة، فضلًا عن تطوير آليات للتعاون بين المؤسسات المالية الدولية والحكومة الإسرائيلية لتمويل عدد من المشروعات في إفريقيا، علاوة على فتح ملحقيات تجارية جديدة بما يحقق زيادة حجم التصدير الإسرائيلي في إفريقيا.
وهكذا تعمل إسرائيل دائما على تطوق اقتصادنا وأمننا العربي عبر خريطة انتشار لها في الغرب الإفريقي، وتغلغلها بدول كينيا، وإثيوبيا، ورواندا، وأوغندا، وجنوب السودان، والسنغال وغانا، من خلال الوكالة الإسرائيلية للتعاون الدولي في مجال التنمية "الماشاف"، فماذا نحن فاعلون لتنامى وتعاظم مخاطر الزحف والتغلغل الإسرائيلي في إفريقيا؟