بقلم إبراهيم شعبان: الرهانات الخاسرة للدب الروسي في المنطقة
خسر الاتحاد السوفيتي إمبراطورية ضخمة ولم يحصل على موضع قدم في منطقة الشرق الأوسط، بعد ثلاثة عقود كاملة، قضاها منذ منتصف الخمسينات الى منتصف السبعينات من القرن الماضي. يستعرض السلاح الروسي في المنطقة، ويفاخر بعلاقاته الاستراتيجية آنذاك مع كلا من مصر وسوريا وخصوصا في حربهما ضد إسرائيل.
هزم الاتحاد السوفيتي وتفكك، ولم تبق منه إلا دولة روسيا بعدما تعرضت الإمبراطورية الضخمة إلى زلزال أتي على أركانها.
هذه الهزيمة أمام الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية الحرب الباردة جعلت من الاتحاد السوفيتي آنذاك امبراطورية ضخمة تمتلك أسلحة نووية وترسانة هائلة من العتاد العسكري لكنها لا تحوذ " رغيف خبز"! ومن وقتها، منذ عام 1991 والاتحاد السوفيتي الذي تفكك وتقزم حتى وصل الى روسيا وهو يكافح عبر عدة رؤساء على استعادة نفوذه السابق على أمل أن يساعده ذلك على تقوية اقتصاد روسيا ودفعها للصدارة مرة ثانية.
لكن الحقيقة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو يعيش على هذا الأمل خصوصا وأن روسيا لا تزال تمتلك حق الفيتو في مجلس الأمن باعتبارها واحدة من الدول الكبرى، لم يتعلم بعد من الزلزال السوفيتي السابق ولا يزال يراهن على قوى خاسرة في المنطقة ويعلن تأييده ووقوفه التام وراءها أملا منه في أن تمنحه القوة أمام الولايات المتحدة الأمريكية.
وتعود روسيا قوة عظمى وليست فقط دولة كبيرة.
وينسى كثيرا أن روسيا، وبعد ما تعرضت له من قبل اصبحت في حاجة شديدة الى إعادة بناء اقتصادها أكثر من مواصلة انتاج الأسلحة وأن ملايين الروس، والذين صوتوا لبوتين لانتخابه لفترة رئاسية رابعة لا يزالون يراهنون ولو بينهم وبين أنفسهم أنه قادر على إعادة " العز الاقتصادي" الذي كان في السابق.
لكن يبدو أن بوتين لا يرى ما يراه الروس، ويلعب في منطقة ضيقة للغاية وخاصة به هو فقط، وهى استمرار دعم أعداء المشروع العربي في المنطقة ومناطحة الولايات المتحدة الأمريكية سواء في قضية عادلة أو قضية خاسرة.
وأبرز دليل على ذلك إعلان بوتين تأييده التام للمشروع الإيراني في سوريا رغم أنه ينطوي على تجاوزات طائفية وعنصرية ومذهبية شديدة.
كما أنه ورغم فوز روسيا بالعديد من الاتفاقيات والقواعد العسكرية على الأرض في سوريا .
فإن المستقبل يؤكد أن إيران الموجودة على الأرض هناك، لن تسمح لروسيا أن تحول سوريا إلى "دولة سوفيية جديدة" لأنها أصبحت بالفعل " محافظة إيرانية " ومن الوارد جديا المواجهة بينهما.
كما أن المستقبل يؤكد أن الرئيس بشار الأسد، مهما حاول ورغم انتصاراته الأخيرة على المعارضة فإنه لن يبقى في سوريا مع أي تسوية جديدة كما لن يبقى معارضوه.
فأياديهما معا" النظام والمعارضة" تلوثت بالدم وكلاهما لن يستطيع إعادة سوريا الى ما كانت عليه او حتى البدء بإعادة اعمارها، وسيفرز المشهد السوري رجالًا جدد بعد انتهاء المجازر الحالية.
في نفس الوقت فإن الرهان الروسي على إيران وإيران وحدها ومساندة مشاريعها، سواء في العراق أو سوريا أو اليمن" مقامرة" غير مأمونة العواقب.
فالولايات المتحدة الأمريكية على طريق مواجهة مع إيران، والمصالح الامريكية العليا في المنطقة هى التي تتكلم الآن. كما أن الدول الخليجية الهامة وفي المقدمة منها السعودية والإمارات. ترى أن الحل الأمثل مع نظام الملالي القابع في طهران، هو إسقاطه أو تكسير عظامه وهما محقان في نظرتهما لأنه نظام مذهبي مقيت ويقود حربًا بلا هوداة لتشييع المنطقة ومد النفوذ الفارسي فيها.
وعليه فإن أي هزيمة قادمة لإيران أمام الولايات المتحدة الأمريكية ستكون هزيمة لروسيا ذاتها.
وبخاصة أن المشروع الإيراني في المنطقة يواجه بسخط شديد من مختلف الأوساط، كما أنه من الشذوذ السياسي الغير متعارف عليه أن تحتل ايران أربعة عواصم عربية وتتكلم باسمها في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
وبهذه الحسبة فإن الحسابات الروسية خاسرة تمامًا وكلها حسابات وقتية
كما ان إصرار الرئيس بوتين على إدارة معاركه السياسية والاستراتيجية انطلاقا من مناطحة أمريكا سيكلفه الكثير .
ويبدو أن الرئيس بوتين لم يعرف حتى الآن أن عهد أوباما المنكفء على الداخل الامريكي وترك العالم لإيران وروسيا وتركيا وغيرهم قد انتهى. وترامب يتكلم الآن انطلاقا من قوة أمريكا العظمى ومصالحها الحيوية في المنطقة..
أما نحن العرب فقد توزعنا ببين فريقين كل منهما يحاول أن يحقق مصلحته على حسابنا!