بقلم أحمد عبد الوهاب: الخطوات الأمريكية لإنهاء الأزمة القطرية
ينشغل الكثيرون في العالم بتغيير الوجوه في الإدارة الأمريكية، وتطفو على أسطح شاشات الفضائيات الآمال الشخصية والأهواء، في محاولة لتكوين رأي مناصر لرؤية المحلل أو السياسي أو ما يطلق عليه الخبير، وقد طغى هذا الأمر بشكل كبير على العالم العربي بعدما انفردت واشنطن بالعالم في أعقاب الحقبة السوفيتية.
منذ التسعينات والانتخابات الرئاسية الأمريكية لم تنطفئ جذوتها. عامان نودع بهما الرئيس السابق وآخران نتحدث عن الرئيس القادم، تلك هى السنوات الأربع للرئاسة الأمريكية، وفي كل الأحوال تكون التغيرات في الوجوه مع ثبات كامل للسياسة الأمريكية تجاه ملفات الشرق الأوسط بصفة خاصة وإن اختلفت الأدوات، فلا فرق بين رحيل الجمهوري أو مجيء الديمقراطي، فالقرار في واشنطن لا يصنع في البيت الأبيض بل في دوائر صنع القرار التي لا تتغير ثوابتها، وما على الرئيس سوى اعتمادها بشكل بروتوكولي.
وحتى لا نذهب بعيداً عن فكرة المقال. الخطوات الأمريكية لإنهاء الأزمة القطرية، قد نختلف في التحليل، وقد يجانبني الصواب، ولكن لا نختلف جميعاً في أن السياسة لا تعرف "المستحيل". في الشهور الأخيرة للرئيس الأمريكي السابق أوباما، لم تكن علاقته بالرياض على المستوى المطلوب وكان يشوبها بعض "الفتور"، وظلت على تلك الحالة إلى جاءت الانتخابات الأمريكية بالرئيس ترامب، والذي كان يلقى كل الدعم من الخليج وبصفة خاصة السعودية أثناء حملته الانتخابية، ربما يرتبط الأمر بمصالح خاصة بين السعوديين وترامب "بيزنس"، فالجميع من أصحاب الأموال.
وما إن وصل ترامب للبيت الأبيض حتى أقيمت الأفراح في بعض الدول العربية في الوقت الذي احتشد فيه الآلاف من الأمريكيين في الشوارع احتجاجا على فوزه وطالبوه بالرحيل.
ظل ترامب عده أشهر يتخبط في التصريحات عبر "تويتر"، قبل أن يتم كبح جماحه، فقد قال في بدايه حملته الانتخابية إن الخليج يمتلك الكثير من المال ولا ينفقون سوى القليل، وبعد فوزه قال للأمريكيين إن كل شيء يجب أن يتم مقابل المال، وكانت أولى زياراته الخارجية للرياض، وتم استقباله بشكل أسطوري غير مسبوق، وبعد عودته لواشنطن غرد للأمريكيين بأنه جاء لهم بالكثير من المال والوظائف، ولم تمض ساعات طويله حتى نشب الخلاف وبشكل دراماتيكي بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر في جانب وبين قطر، وتوترت الأمور ووصلت لمراحل تصعيدية غير مسبوقة وتم حصار الدوحة براً وبحراً وجواً، وأيدت أمريكا بشكل غير مباشر، وسرعان ما عادت لتلعب دورها المعروف في إيجاد "الداء والدواء" في توقيت واحد.
فشلت كل مبادرات الصلح لأن واشنطن لا تريد ذلك، وما إن تدخلت تركيا وفتحت إيران مجالها الجوي، حتى عادت أمريكا لتعلن عن توقيع عقد توريد أسلحة لقطر بقيمة 13 مليار دولار، وبعدها يقوم وزير الخارجية الأمريكي وصانع السياسة الأمريكية "تيلرسون" بجولة في المنطقة ويوقع مع قطر المتهمة بالإرهاب من جانب دول المقاطعة الأربع "برتوكول لمكافحة الإرهاب"، وفي ظل تلك المجريات للأحداث تخفت الأصوات أمام السيد الأمريكي وتأتي بيانات دول المقاطعة "باهته"، ولا تحمل جديداً.
ثم يأتي تقرير الخارجية الأمريكية بشأن الحريات "الدينية" في العالم ليضع السعودية بجانب إيران وكوريا الشمالية ضمن أكثر البلدان التي تنتهك فيها حرية العقيدة، وهذا يدعونا لتساؤل مهم، هل عمليات الانتهاك هذه جديدة أم أنها إحدى أوراق الضغط القديمة التي تستخدمها أمريكا لترويض التابعين لها ولا أقول "الحلفاء"، فهل تريد أمريكا بعد صدور التقرير إنهاء الأزمة في الخليج بعدما حصلت على ما تريد من السعودية ومن قطر ومن الإمارات.
الواضح أن الحل الأمريكي لأزمة الخليج قادم، لأن أمريكا هى من تحرك "الدمى" في مسرح العرائس بالشرق الأوسط والشمال الأفريقي. عانت قطر بعض الشيء وأنفقت الكثير من الأموال لأن رصيدها يسمح بذلك، سوف تنتهي أزمة قطر وستكون هناك سيناريوهات جديدة لما بعد الحصار. لن تطول الأزمة وسيربح الرابحون وسيخسر من لم يمارسوا السياسة.
لقد زرعت أمريكا العلاقات الخليجية — الخليجية والعربية الخليجية بالوسائل والتقنيات التي تجعلها تدمر نفسها في الوقت المطلوب والتوقيت المناسب، فواشنطن لديها مخطط للمنطقة ما بين شرق أوسط كبير إلى شرق أوسط جديد، وها هى اليوم تجني الثمار، فالخليج بأمواله وقدراته أصبح مدينا لأمريكا، نعم أمريكا تريد تفكيك المنطقة وإعادة ترتيبها بالشكل الذي يتوافق مع خططها.
وفي نفس السياق يرى الكاتب رائد عمر العيدروسي، أن ما أسهل وأسهل على الرئيس ترامب أن يرغم الأمير تميم على الاستسلام وتنفيذ الشروط الخليجية الـ13، لكن الواضح أنّ الأدارة الأمريكية طلبت أو أملت على قطر لإدامة الأزمة واستمراريتها وديمومتها والإبقاء عليها لأجل إدامة الفتنة العربية — العربية، وما يفرزه ذلك من دولاراتٍ ملياريةٍ خليجية تشدّ الرحال إلى امريكا! فعدا الصفقة السعودية — الأمريكية التي أعقبت القمة الإسلامية — الأمريكية والتي تجاوزت 400 مليار دولار لشراء طائرات أمريكية للمملكة، فعقدت قطر صفقة الـ12 مليار دولار لشراء مقاتلات F 15 من الولايات المتحدة!.
ونشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بحثاً تحت عنوان "أزمة العلاقات الخليجية- القطرية: في أسباب الحملة ودوافعها" جاء فيه: من المستحيل أن تقبل قطر بفرض الوصاية عليها بالتراجع عن سياستها المستقلة في ظروفٍ من التهديد وفرض العقوبات وشنّ الحملات الإعلامية عليها بناء على فبركات، ويتطلب أيّ خروجٍ من الأزمة حوارًا بين أنداد، يجري فيه التفاهم على جميع القضايا، وليس بلغة التهديد وتقديم التنازلات.
وتبقى نتائج الهجمة ومداها على قطر مرتبطة بنهاية المطاف بالموقف الأميركي، ومع أنه من الصعوبة تصور قيام دول الخليج الثلاث، إضافة إلى مصر، بالإقدام على قطع العلاقات مع قطر وعزلها من دون تشاور أو تنسيق مع الولايات المتحدة، وقد صرّح وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بأن بلاده 'تشجع الأطراف جميعًا على الجلوس معًا ومعالجة هذه الخلافات'، وعرض الوساطة لمساعدة الدول الخليجية على رأب الصدع، مشددًا على أنّ مجلس التعاون الخليجي عليه أن يحافظ على وحدته.
كما يبدو أن واشنطن سوف تظل تعارض أيّ محاولةٍ للقيام بما من شأنه أن يغيّر التوازنات الإقليمية التي تحرص على استمرارها في منطقة الخليج، خاصة أنها تحتفظ بأكبر قواعدها العسكرية، وربما ترى أنه ليس من المفيد كثيرًا الدفع، مثلًا، بحركة حماس للارتماء مجددًا في أحضان إيران، في حال اشتد الضغط على قطر.