بقلم سارة ليونارد: سر انجذاب الناخبين الشباب إلى الاشتراكيين
ما الذي دفع هذه الأعداد الضخمة من الناخبين الشباب لتأييد هؤلاء السياسيين الاشتراكيين المتقدمين في العمر ودفعهم نحو مستويات من الشعبية لم يعايشوها من قبل؟ من أجل تفهم ما يجري، عليك أولاً إدراك أن السياسيين أمثال ساندرز وكوربين حملوا شعلة اليسار على مدار حقبة طويلة، تجاوزوا خلالها جيل أبناء تيار الوسط مثل بيل كلينتون وتوني بلير، ليسلموها اليوم إلى الشباب أقل من 35 عاماً. أيضاً، يتعين عليك أن تدرك السبب وراء ما يبديه كثير من الشباب من استعداد لحمل هذه الشعلة والانطلاق بها.
الملاحظ أن كلاً من بريطانيا والولايات المتحدة ضمتا في العادة أحزاباً تعهدت على الأقل بولائها تجاه العمال. ومنذ سبعينات القرن الماضي، تقطعت جذور الأحزاب اليسارية واحداً تلو الآخر، الأمر الذي تسارعت وتيرته في الثمانينات والتسعينات. في ظل قيادة بلير، أعاد حزب العمال صياغة البند الرابع الشهير من بيان الحزب، الذي كان يلزم الحزب بهدف «الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج والتوزيع والتبادل»، وتحت قيادة كلينتون، قلص الحزب الديمقراطي برامج الرفاه ودفع باتجاه إقرار اتفاقات تجارية دولية مناهضة للعمال. عام 1990، كتب كيفين فيليبس، الخبير الاستراتيجي المعاون لريتشارد نيكسون سابقاً، أن الديمقراطيين «أكثر ثاني الأحزاب حماساً تجاه الرأسمالية في التاريخ». وفي دول أخرى بأوروبا، أصبحت الأحزاب الاشتراكية التقليدية متصلبة وداعمة للنشاط التجاري على نحو متزايد.
وترك كل ذلك في نفوس الكثير من الناخبين شعوراً بأنه لم يعد ثمة حزب يساري يكرس جهوده حقاً لحماية مصالح الفقراء والطبقة العاملة والشباب.
وفي تلك الأثناء، يشعر الناس في مثل سني (29 عاماً) بحاجة أكثر عن أي وقت مضى لمنصة يسارية نشطة. في الواقع، لقد خذلنا النظام الرأسمالي الذي ظهر في أعقاب الحرب الباردة: ففي مختلف أرجاء أوروبا والولايات المتحدة، تبدو أوضاع جيل الألفية الجديدة المادية أسوأ عن آبائهم، وعلى درجة بالغة من الفقر تجعلهم عاجزين عن بناء أسر جديدة. داخل الولايات المتحدة، يرزح الشباب تحت أعباء الديون التي تكبدوها لسداد مصاريف التعليم الجامعي (في الوقت الذي يبدو أقل احتمالاً بكثير لأن يحصلوا على فرصة عمل دون درجة جامعية)، وأصبحوا يعملون في وظائف غير مستقرة لا تخضع لمظلة نقابية.
في الواقع، ليس ثمة أمر راديكالي بطبيعته بخصوص الشباب. إلا أن أوضاعنا السياسية وقعت تحت تأثير أزمة مالية وتواطؤ حكومي. ومنذ عام 2008 بوجه خاص، عاينا استيلاء شركات على منازل عائلاتنا، واستغلال ديوننا الطبية وتكبدنا وظائفنا.
وقد شاهدنا الحكومات تفرض إجراءات تقشفية وحشية لإرضاء المصرفيين. ولم يقدم الرأسماليون على ذلك من قبيل المصادفة، وإنما من أجل جني أرباح، واستثمروا بدورهم هذه الأرباح داخل أحزابنا السياسية. وعليه، أصبحت الرأسمالية بالنسبة للكثيرين منا أمراً يدعو إلى الشعور بالخوف، وليس الاحتفاء، وأصبح عدونا الأكبر قابعاً داخل وول ستريت وسيتي أوف لندن.
ونظراً لأننا بلغنا مرحلة الوعي السياسي بعد عام 1989، لا نشعر بطبيعتنا بالفزع تجاه الاشتراكية، بل على العكس تبدو جذابة لنا: كشف استفتاء للرأي أجرته جامعة هارفارد عام 2016، أن 51 في المائة من الأميركيين بين 18 و29 عامًا أبدوا رفضهم للرأسمالية، والثلث قالوا إنهم يدعمون الاشتراكية. وكشف استطلاع آخر للرأي أجراه معهد بيو عام 2011 أن الأفراد المنتمين للفئة العمرية ذاتها يبدون مشاعر إيجابية أكبر تجاه الاشتراكية عن الرأسمالية.
داخل صندوق الانتخابات، كانت خياراتنا محدودة نسبيًا. وعمد الليبراليون خلال حقبتي كلينتون وبلير وداخل حزبيهما إلى الحد من القدرات الحزبية على التصدي لمساوئ الرأسمالية. وفي الوقت الذي هرولت أحزاب يسار الوسط إلى أحضان المصرفيين، تشبث ساندرز وكوربين بالسياسات اليسارية.
في مايو (أيار)، وفي الوقت الذي جرى تسريب برنامج حزب العمال الانتخابي الداعي إلى التعليم الجامعي المجاني وتعزيز الإنفاق على الخدمة الصحية الوطنية، جاءت استجابة التيار الرئيسي من الصحف البريطانية هازئة: على سبيل المثال، خرج العنوان الرئيس لـ«ديلي ميل» على النحو التالي: «بيان حزب العمال يجرنا إلى السبعينات».
(في الواقع، بعض مقترحات كوربين، مثل تأميم السكك الحديدية وشركات المياه، ترتبط على نحو مباشر بالتزامات حزب العمال في ظل البند الرابع). ورغم أن هذه المقترحات ربما بدت لبعض القراء كمصدر تهديد، فإن الكثير من الشباب رأوها واعدة. وفي الانتخابات التي أجريت في 8 يونيو (حزيران)، حصد الحزب نسبة صادمة من الأصوات بلغت 40 في المائة، النسبة الأعلى منذ سنوات. ويعود جزء كبير من الفضل وراء هذا النجاح إلى الناخبين الشباب.
ومن الإيجابيات كذلك أن حملة ساندرز الانتخابية وقيادة كوربين لحزب العمال مهدتا الطريق أمام ظهور سياسات اشتراكية تبدو مختلفة عنهما.
يذكر أنه بعد ثلاثة أيام من الانتخابات العامة البريطانية، شارك كوربين في مقابلة أجرتها معه قناة «بي بي سي». وخلال اللقاء، وجه المذيع أندرو مار سيلاً من الأسئلة الصعبة إلى كوربين حول مدى إمكانية تحويل برنامجه الانتخابي إلى سياسات حكومية واقعية. ورد كوربين بقوله: «انظر إلي جيداً! الشباب يقفون إلى صفي».