مقال بقلم د/ ياسر حسان: حوافز "بايدن" تجربة اقتصادية فريدة لكنها مغامرة عالية المخاطر لأمريكا والعالم
خاص سياسي
نشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD توقعاتها للعام الحالي ٢٠٢١.. التقرير غطى مناطق ودولاً كثيرة في العالم، وأهم ما جاء في توقعات المنظمة -وكان بمثابة المفاجأة- أن المنظمة تتوقع أن تتفوق أمريكا على الصين في النمو الاقتصادي لأول مرة منذ فترة طويلة بسبب السياسات المالية المتشددة للصين وانخفاض سوق الأسهم بنسبة 9٪ منذ منتصف فبراير الماضي.
الاقتصاد الأمريكي يعمل حالياً بشكل فريد وسط الاقتصادات الكبيرة، ومقارنة بمنطقة اليورو التي تخلفت في سباق التطعيمات وكفاح المتغيرات الجديدة لفيروس كورونا، وتطبق حوافز ومساعدات مالية أقل، وإذا استمرت اللقاحات في الوصول إلى المواطنين وتجنبت أمريكا مواجهة سيئة مع المتغيرات الجديدة، فمن المفترض أن ينخفض معدل البطالة بشكل مريح إلى أقل من 5 ٪ بحلول نهاية هذا العام.
أمريكا تدخل في عهد "بايدن" تجربة اقتصادية ثلاثية الأبعاد لكنها خطيرة ولا يمكن التنبؤ بها.. أولاً تتميز بمستويات تاريخية من التحفيز والدعم المالي، وثانياً موقف أكثر تسامحًا مع الاحتياطي الفيدرالي تجاه التجاوزات المؤقتة للتضخم، وثالثاً حالة من عدم اليقين تجاه المدخرات المكبوتة الضخمة التي لا أحد يعرف ما إذا كان المستهلكون سيحتفظون بها أو سينفقونها.
هذه التجربة ليس لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، لكنها خطيرة. صحيح أن منح بايدن سوف تدعم أولئك الذين انقلبت حياتهم رأساً على عقب بسبب الأزمة، مع فقدان 9.5 مليون وظيفة، وبفضل هذا الدعم لمعظم الآباء ستنخفض نسبة فقر الأطفال المستمر والواسع الانتشار في البلاد بشكل كبير، لكن هذه التجربة قد تكون لها أبعاد اقتصادية خطيرة؛ فالخطة الحالية تعمل على ضخ الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة حوالي 2.5 تريليون دولار في النظام المصرفي هذا العام، مع بقاء أسعار الفائدة بالقرب من الصفر. ومن المتوقع أن تزيد منح بايدن من زيادة الطلب العالمي على السلع، وقد زاد العجز التجاري في أمريكا بالفعل بنسبة تزيد عن 50٪ عما كان عليه قبل الوباء.
وارتفعت عائدات السندات الأمريكية ذات العشر سنوات والتي تتحرك عكسياً مع الأسعار بنحو نقطة مئوية واحدة منذ الصيف الماضي، وسط توقعات بارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة يصر بنك الاحتياطي الفيدرالي على أنه سيُبقي أسعار الفائدة منخفضة وسيواصل شراء الأصول حتى يتحسن الاقتصاد ويرتفع التضخم إلى أعلى من هدفه البالغ 2٪.. وهذا أمر مرغوب فيه بشكل خاص لأنه خلال معظم العقد الماضي كانت مشكلة الاقتصاد العالمي هي نسب التضخم الضئيلة للغاية، لكن من المهم فهم تأثير ذلك على دول كثيرة حول العالم؛ فبسبب الدور المحوري لأمريكا في النظام المالي العالمي فإن توقعاتها للسياسة النقدية يمتد تأثيرها خارج حدودها.
ففي الأسابيع الأخيرة اضطر البنك المركزي الاسترالي إلى زيادة مشترياته من السندات لمنع العوائد من الارتفاع أكثر من اللازم.
والأسواق الناشئة التي تعاني من عجز كبير مثل البرازيل، أو ذات ديون كبيرة مقومة بالدولار مثل الأرجنتين لديها سبب للخوف من تشديد الأوضاع المالية العالمية بعد التحول في السياسة النقدية الأمريكية، ليس هناك سبب للشك في خطط الاحتياطي الفيدرالي بقية العالم لن يضاهي سرعة العم سام الفائقة على المدى القريب، لكن التحفيز الذي يقدمه بايدن هو مقامرة كبيرة على المدي البعيد، لا هو ولا الأسواق يمكن أن تتنبأ بالنتيجة النهائية للتجربة الأمريكية، فإذا أتت ثمارها فستتجنب أمريكا فخ التضخم المنخفض البائس والمعدلات المنخفضة، التي تبدو اليابان وأوروبا عالقتين فيهما.
وقد تقوم البنوك المركزية الأخرى بنسخ تجربة أمريكا الحالية، بحيث يصبح التحفيز المالي الضخم الاستجابة الطبيعية لحالات الركود، وإذا فشلت أمريكا ستترك مع حكومة مثقلة بالديون بشكل متزايد، ومشكلة تضخم وبنك مركزي يواجه اختبار مصداقيته، إذا اضطر إلى رفع أسعار الفائدة لخفض التضخم.. وهنا تكون بداية الأزمة والتي من المؤكد أنه سيكون لها تأثيرات اقتصادية دولية عميقة.