مقال بقلم د/ ياسر حسان: بعد عشرين عاماً على أحداث سبتمبر.. كيف أصبحت أمريكا والعرب؟
خاص سياسي
قبل عشرين عامًا شرعت أمريكا في إعادة تشكيل النظام العالمي بعد هجمات 11 سبتمبر. أثار مقتل 3000 شخص على الأراضي الأمريكية رد فعل سلط الضوء على "لحظة أحادية القطب" في أمريكا. لفترة من الوقت بدا أنه يتمتع بسلطة لا جدال فيها، أعلن وقتها الرئيس جورج دبليو بوش عن أن العالم إما مع أمريكا أو ضدها.
وقال الناتو إن الهجوم على البرجين كان هجومًا على جميع أعضائه. بعد 63 يومًا من 11 سبتمبر سقطت كابول، وكانت السهولة التي هزمت بها القوات التي تقودها الولايات المتحدة طالبان بدا أنها تنذر بنوع جديد من الحرب الخفيفة، حتى فلاديمير بوتين أخذ خطوات للوراء وتعهد بالتعاون العسكري الروسي.
كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي آنذاك وصفت ذلك بالنهاية الحقيقية للحرب الباردة، وتم تركيز الجهود على مكافحة الإرهاب، ومات أسامة بن لادن ولم ينجح أي هجوم مماثل على أمريكا، كما أعيد بناء منطقة مانهاتن بشكل أكثر أناقة.
الآن وبعد مرور عقدين كاملين من الزمن يمكن القول اليوم بأن سياسة الولايات المتحدة الخارجية قد فشلت على مدرجات مطار كابول. قال الرئيس جو بايدن إن الخروج من أفغانستان كان يتعلق بـ "إنهاء حقبة" من الحروب البعيدة. خارج الولايات المتحدة تركت هذه الكلمات حلفاء أمريكا في حالة من الذهول، وأعدائها في حالة من الابتهاج.
أما في الداخل فقد سئم معظم الأمريكيين من كل هذا، ما يقرب من ثلثي الشعب يقول إن الحرب لم تكن تستحق هذا العناء، وأن الرد على إرث 11 سبتمبر كان مريرًا. فقد تحولت مهمة سحق القاعدة إلى رغبة في تغيير النظام في أفغانستان وبناء دولة جديدة علي النمط الغربي، مما أدى إلى نتائج غير مقنعة في أفغانستان والعراق، وبتكلفة بشرية ومالية ضخمة. أسلحة الدمار الشامل العراقية كانت سراباً أو نسجاً من الخيال لتدمير ما تبقي من العراق في آخر الجانب الشرقي من العالم العربي.
وكسرت أمريكا كثيراً من مبادئها في التعذيب وفقدت مكانتها الأخلاقية العالية. وتلاشى الإحساس الأوّلي للمواطن الأمريكي بالثقة حول متى يجب أن تتدخل بلاده عسكريًا؟. وفرضت قصصاً مثل استخدام سوريا للأسلحة الكيميائية في عام 2013 تشتتاً في روح الوحدة الداخلية وفرضت الانقسامات الأمريكية نفسها حول هذا الملف بين قابل ومشكك. لقد غرست أمريكا نفسها في وحل الشرق الأوسط وتناست التهديد الحقيقي والجدي لها في أوائل القرن الحادي والعشرين وهو صعود الصين.
لكن رغم كل تلك السلبيات والأخطاء تظل قدرات الولايات المتحدة هائلة ويمكن إعادة تجهيز استراتيجيتها للقرن الحادي والعشرين، شريطة أن يتم استخلاص الدروس الصحيحة من حقبة ما بعد 11 سبتمبر. وعلى الرغم من كل عيوب أمريكا -انقساماتها وديونها وبنيتها التحتية المتداعية- فإن العديد من جوانب قوتها ما زالت قوية.. نصيبها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي عند 25٪ وهو تقريباً نفس ما كانت عليه في التسعينيات. وهي لا تزال بارزة من الناحيتين التكنولوجية والعسكرية، وأمريكا هي الدولة النووية الوحيدة التي لها قدرات نووية خارج حدودها وعلى مقربة من أراضي جميع منافسيها.
وعلى الرغم من حقيقة أن الرأي العام في أمريكا قد تحول إلى الداخل، إلا أن مصالح أمريكا أصبحت عالمية أكثر مما كانت عليه خلال مرحلتها الانعزالية في الثلاثينيات. بوجود تسعة ملايين مواطن في الخارج، و 39 مليون وظيفة مدعومة بالتجارة العالمية و 33 تريليون دولار من الأصول الأجنبية، لذلك فإن لديها مصلحة قوية في عالم مفتوح.
صحيح أن أمريكا غيرت سياستها الخارجية في عهد باراك أوباما، الذي حاول "التحول" إلى آسيا وتقليص الحروب في العراق وأفغانستان، إلا أن فترة حكم ترامب والتحول إلى الصفقات المفبركة إعلامياً كارثة. لكن يظل العداء للصين هو أحد الأشياء القليلة التي توحد الكونجرس والجمهور: 45٪ من الأمريكيين ينظرون إلى الصين على أنها أكبر عدو لأمريكا، ارتفاعًا من 14٪ في عام 2001.
يري الكثيرون أن جو بايدن مؤهل جيدًا لإدارة ملف التحول الأمريكي في السياسة الخارجية حالياً، ولديه خبرة طويلة في الشؤون الخارجية وفريق عمل جيد. أهدافهم هي إنهاء الحروب إلى الأبد، وإكمال محور أمريكا في أسيا، ومعالجة مجالات جديدة مثل الأمن السيبراني وإعادة بناء التحالفات العالمية.
يدعم هذه الأجندة الإعلام الأمريكي وكثير من السياسيين التكنوقراط، ويرون أن موقف الإدارة الحالية بالتركيز على أولويات القرن الحادي والعشرين مثل تغير المناخ، وحقوق المرأة أفضل من موقف إدارة ترامب، وأن ذلك سوف يؤثر على الجغرافيا السياسية أكثر مما يدركه معظم الناس. وتظل مشكلة الولايات المتحدة الرئيسية أن كل إجراء تتخذه في سلوكها في الخارج، يجب أن يأخذ في الاعتبار الجمهور المحلي الأمريكي. صحيح أن جميع الدول تعمل لمصلحتها الذاتية على المدى الطويل، والقوة في الداخل شرط أساسي للقوة في الخارج. ومع ذلك فإن الدافع لاتخاذ قرارات حول العالم لإرضاء الجمهور المحلي يسبب بالفعل مشاكل كبيرة لصانع القرار السياسي في الولايات المتحدة.
في العالم العربي كان المشهد أكثر بؤساً، فالانقسامات العربية مع بقاء الأنظمة الشمولية في الحكم لفترات طويلة كانت مقدمة لثورات الربيع العربي التي لم تحقق في معظم دول العالم العربي أهدافها. وبات العالم العربي الآن أكثر انقساماً وفقراً عما كان علي قبل أحداث سبتمبر.
تضرر العراق بشدة من قرار صدام بغزو الكويت، وتحولت سوريا لأرض معركة يحارب الكل عليها الآن، وأصبح حال ليبيا واليمن والأزمة الاقتصادية في لبنان هو موضوع عناوين رئيسية يومية في الأخبار العالمية.
كان الحال في مصر وتونس والسودان أفضل من معظم الدول العربية، لكن في العموم لم تتحسن أحوال المواطن العربي اقتصادياً، ولم يحدث تحولاً جذرياً فيملفات التحول الديمقراطي والحريات عما كانت عليه قبل عشرين عاماً.
وفي النهاية ربما يكون من عيوب السياسة الخارجية لأمريكا الآن أن الأحداث تحكمها أكثر من الاستراتيجيات.. لكن في العالم العربي نفتقد دائما للاستراتيجيات وتكون سياساتنا الخارجية في الغالب رد فعل أكثر منها أفعال.. وربما علينا أن نصدق ما قاله عالم السياسة والمتخصص في الشؤون الإسلامية الفرنسي (أوليفييه روا) "أنه لا يزال من المبكر الإجابة عن تأثير أحداث ١١ سبتمبر على أمريكا والعالم العربي.. وعلينا أن ننتظر 20 عاماً أخرى لكي نعرف".