مقالات د/ ياسر حسان

مقال بقلم د/ ياسر حسان: ما هو مستقبل ابن سلمان في عهد بايدن؟

ترى إدارة بادين أن أمريكا لا يمكن أن تبني مصالحها على شخص تراه متهورا وقاسيا ولا يمكن التنبؤ بما يفعل
ترى إدارة بادين أن أمريكا لا يمكن أن تبني مصالحها على شخص تراه متهورا وقاسيا ولا يمكن التنبؤ بما يفعل

 
 

بعيداً عن نوايا الإدارة الأمريكية الحالية فيما يتعلق بملفات حقوق الإنسان، فتجاوزات الحكام العرب تفرض نفسها على الواقع السياسي، وبعضهم لم يستبح فقط مقدرات ومستقبل شعوبهم بل استباحوا دماءهم أيضاً. 


بايدن كان واضحاً مند البداية في موقفه ضد "ابن سلمان" بصرف النظر عن إصدار التقرير، ورفض بشكل قاطع الاتصال بولي العهد، ويبدو حالياً مصمماً على إنهاء حالة العناق بين أمريكا وبن سلمان، فصمته إلى الآن وسرعته في إصدار التقرير يتحدثان عن استياء أمريكا من محمد بن سلمان. 
قائمة طويلة من التجاوزات.. هناك حرب اليمن التي دخلت الآن في عامها السابع، مع فشل إستراتيجي وكارثة إنسانية، كما تشعر إدارة بايدن بالغضب من الحملة القمعية الشاملة التي تمارسها المملكة على المنتقدين.
صحيح أن قضية خاشقجي جذبت أكبر قدر من الاهتمام، لكن السلطات السعودية استهدفت الجميع من رجال الدين المحافظين إلى نشطاء حقوق المرأة مروراً بأسرة آل سعود نفسها، ولا يجادل حتى المدافعين عن ولي العهد السعودي في أنه كان قاسياً ومندفعاً.

التقرير الاستخباري عن مقتل جمال خاشقجي الذي نشر الأسبوع الماضي كان ينبغي أن ينشر قبل ذلك بعامين، لكن تم حظره من قبل إدارة ترامب في جهد وقح لحماية ابن سلمان من العواقب، حيث تمتع محمد بن سلمان بعلاقة وثيقة مع إدارة "ترامب" لا سيما مع "جاريد كوشنر" صهر الرئيس ومستشاره. ففي عام 2019 أصدر الكونجرس قانونًا يلزمه بإصدار نسخة غير سرية يمكن نشرها للعامة، تجاهل ترامب القانون وتفاخر فيما بعد بحماية ابن سلمان قائلاً: "لقد أنقذت مؤخرته، وتمكنت من إقناع الكونجرس بتركه وشأنه".

التقرير لم يقدم جديداً وكانت استنتاجاته معروفة بالفعل: تعتقد أمريكا أن محمد بن سلمان ولي عهد المملكة والحاكم الفعلي قد وافق على عملية القبض على "خاشقجي" أو قتله، وأنه "من المستبعد للغاية أن يقوم المسؤولون السعوديون بعملية من هذا النوع دون إذن ولي العهد".

استحوذ مقتل خاشقجي على انتباه العالم كما تفعل جرائم قليلة، ذلك بسبب مكانته كصحفي مخضرم، وهو رجل يعرف تقريبًا كل من عمل في ملفات الشرق الأوسط، من بينهم الدبلوماسيون والصحفيون والمحللون. وكانت تفاصيل الجريمة مروعة، حيث دخل القنصلية السعودية في اسطنبول بحثا عن أوراق لزفافه المقبل ولم يخرج.

توابع التقرير الاستخباري كانت صارمة وحادة أيضاً؛ حيث أعلنت أمريكا فرض عقوبات بما في ذلك تجميد أصول على المسؤول السعودي أحمد العسيري المتورط في مؤامرة القتل، كما فرضت حظر تأشيرات على عشرات السعوديين المتهمين باستهداف المعارضين.

صحيح أنه لم تُفرض عقوبات على ولي العهد الذي نفى عن نفسه الأمر بالقتل، لكن المؤشرات توعد بعلاقة صعبة لابن سلمان مع الرئيس جو بايدن.

بايدن كان قد وعد بإجراء اتصال تليفوني -وضح أنه متأخر- مع السعودية الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، تم إجراء الاتصال فعلاً، لكن مع العاهل السعودي الملك "سلمان". وبررت السكرتيرة الصحفية (جين بساكي) ذلك بقولها "إن نظير الرئيس هو الملك سلمان"، لكنه ألقى بمهمة الاتصال بابن سلمان الذي يشغل أيضاً منصب وزير الدفاع السعودي على عاتق "لويد أوستن" وزير الدفاع الأمريكي.

جو بايدن رئيس امريكي تقليدي لكن ربما يبدو أكثر تحرراً من الضغوط التي تحيط عادة بالرؤساء الأمريكيين، مثل الالتزامات الحزبية وتوجهات جماعات الضغط، ربما بسبب كبر سنه واعتبار أن فترة رئاسته لمدة ثانية ضعيفة، أو بسبب الدعم الإعلامي الذي يحظى به حالياً من معظم وسائل الاعلام، أو بسبب نائبته "كاملا هاريس" ذات التوجهات اليسارية. 
بايدن يريد أن تحكم المصالح المتبادلة علاقات أمريكا بالسعودية، وليس العلاقات الشخصية كما كان يفعل "ترامب". وترى إدارته أن أمريكا لا يمكن أن تبني مصالحها على شخص تراه متهوراً وقاسياً ولا يمكن التنبؤ بما يفعل.

سيحدد (بايدن) اليوم طريقة تعامله مع السعودية كحليف وفي الغالب فإن الاتجاه سيكون لوقف التعامل مع (ابن سلمان) كحاكم فعلي للمملكة.. والأغلب أنه لا مستقبل لابن سلمان في ظل وجود إدارة أمريكية تقليدية.

 وفي النهاية فإن الحكام العرب يفعلون باأنفسهم ما تعجز قوى  الاستبداد الكبرى أن تفعله بهم.