بقلم محمد أبو الغار: غياب الحرية بين عبدالناصر والسادات
فى الشهور الأخيرة صدرت مقالات وأحاديث كثيرة بمناسبة ذكرى عبدالناصر ومئوية السادات. وبالطبع نال كل رئيس المديح والاستحسان من محبيه ومؤيديه والنقد من المختلفين معه. وكان واضحاً عند قراءة كل وجهات النظر أن هناك اختلافاً كبيراً بينهما، فعبدالناصر والسادات شخصيتان مختلفتان تماماً فى الخلفية الفكرية والثقافية وطريقة التفكير وفى نظام حكم كل منهما.
هذا المقال ليس لتقييم أو نقد كل من الرئيسين الراحلين وإنما التركيز على النقطة الواحدة التى تقاربا فيها كثيراً.
كلنا نذكر أنه فى عام 1954 بعد أن أصبح جمال عبدالناصر هو الحاكم الفعلى لمصر تم تضييق كبير على الحريات وعلى حرية الصحافة. وهنا أنشر خطابا من السيدة روزاليوسف إلى جمال عبدالناصر.
«إنك باختصار فى حاجة إلى الخلاف تماما كحاجتك إلى الاتحاد. إن كل مجتمع سليم يقوم على هذين العنصرين معاً ولا يستغنى بأحدهما عن الآخر. وقد قرأت لك غير بعيد حديثا تطالب فيه بالنقد، وبالآراء الحرة النزيهة ولو خالفتك! ولكن أتعتقد أن الرأىَ يمكن أن يكون حرًا حقًا وعلى الفكر قيود؟! وإذا فرض وترفقت الرقابـــة بالنـــاس، واستبدلت بحديدها حريرا فكيـــف يتخلص صاحب الرأى من تأثيـــرها المعنــوى؟! يكفى أن نوجد القـيــد كمبدأ ليتحسس كل واحد يديه، يكفـــى أن يشم المفكر رائحة الرقابة وأن يــرى بعض الموضوعات مصونة لا تمس، ليتكبل فكره وتتردد يده ويصبح أسيرًا بلا قضبان.
إن الناس لابد أن يختلفوا لأنهم مختلفون خلقًا ووضعًا وطبعًا، وقد دعت الظروف إلى إلغاء الأحزاب وإلى تعطيل الكثير من وسائل إبداء الرأى، وقد أصبح للعهد الجديد شعار واحد وألوان واحدة، فلم يبـــق شـــىء يمكن أن يتنفس فيه النقـــد وتتجــاوب وجهـــات النظر غير الصحــف وأسنة الأقلام وتفكيـــر المواطنين، أنت تخاف من إباحة الحريـــات أن يستفيد منها الملوثـــون المغرضون، ولكـــن صدقنى أن هذ النوع مــن الناس لا يكون لهـــم خطر إلا فى ظل الرقــابة وتقييد الحريات. ولا تصدق ما يقال مــن أن الحرية شىء يباح فى وقت ولا يباح فـــى وقت آخر، فإنها الرئة الوحيدة التى يتنفــس بها المجتمع ويعيش، والإنسان لا يتنفــس فى وقت دون آخر، إنه يتنفس حين يأكــل وحين ينام وحين يحارب أيضا.
إنك بكل تأكيد تضيق ذرعًا بصحف الصباح حين تطالعها فتجد أنها تكاد تكون طبعة واحدة لا تختلف إلا فى العناوين، حتى بعض حوادث الأقاليم المحلية يصدر بها أحيانًا بلاغ رسمى واحد والناس كلهم يحسون ذلك ولا يرتاحون إليه، إن التجربة كلها لا تحتاج إلا إلى الثقة فى المصريين، وأنت أول من تجب عليه الثقة فى مواطنيه».
وواضح من الخطاب حجم التضييق على الحريات، وبالرغم من ذلك الوضع فإنه تفاقم بتوسيع المعتقلات وممارسة التعذيب، فكانت هناك قناعة تامة بأن الحرية ضارة بالشعب وبالدولة والوطن.
وفى عهد السادات فى يناير 1973 كتب توفيق الحكيم خطاباً إلى الرئيس السادات بخط يده وقعه أكثر من 100 كاتب وأديب وعلى رأسهم نجيب محفوظ ولويس عوض ويوسف إدريس وألفريد فرج وفى الخطاب كتب الحكيم:
«لقد كثر الكلام عن المعركة دون معركة حتى صارت المعركة مضغة فى حلوقنا لا نستطيع أن نبتلعها ولا نستطيع أن نلفظها. لما كان الشباب هو الجزء الحساس فى الأمة وهو الذى يعنيه المستقبل أكثر من غيره فهو لا يرى أمامه إلا الغد الكئيب، أما بقية المواطنين فهم يعيشون بالنسبة إليه فى حياة صعبة سيئة الخدمات، وهذا يقتضى النظر فى تغيير بعض الإجراءات التى تسير عليها الدولة ومنها حرية الرأى والفكر وحرية المنافسة».
ولم يستجب السادات وإنما قام بفصل 64 كاتباً وصحفياً من الذين وقعوا على الخطاب، ودفع بعض الكتاب الموالين لشن حملة فيها الكثير من الإسفاف على الكبار من الموقعين وعلى رأسهم نجيب محفوظ. ونشرت الصحف أسماء أبرز كتاب مصر مقرونة بصفة العملاء الخونة! وقال السادات إن الحكيم عجوز استبد به الخرف ويكتب بقلم يقطر بالحقد الأسود.
وفى مرحلة لاحقة عندما سمح السادات بتكوين الأحزاب عاد حزب الوفد الجديد بقيادة فؤاد سراج الدين الذى ارتفعت شعبيته فسارع السادات بإصدار العزل السياسى ودعا إلى استفتاء سمى قانون حماية الجبهة الداخلية.
الحقيقة أن كلاً من عبدالناصر والسادات بالرغم من اختلاف توجهاتهم وأفكارهم ونظام الاعتقال والسجون فى عهديهما، لم يكن عند أى منهما إيمان أو رغبة فى تحقيق الديمقراطية والحرية. وكلاهما كان يعتقد أنه الوحيد فى الدنيا الذى يعرف مصلحة مصر والمصريين. فعبدالناصر كان واضحاً فى منع الأحزاب والصحف غير الموالية والسادات كان يريدهما ولكنه ديكور ديمقراطى وهمى.
وهكذا كُتب على المصريين أن يعيشوا تحت نوعين مختلفين من الديكتاتورية وتكميم الأفواه وغياب الديمقراطية وحرية الصحافة ولكن كل بطريقته.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك