بقلم محسن عوض الله: العرب بين إسرائيل الأولى والثانية

بقلم محسن عوض الله: العرب بين إسرائيل الأولى والثانية
بقلم محسن عوض الله: العرب بين إسرائيل الأولى والثانية

تعالت فى الفترة الأخيرة دعوات التطبيع بين العرب وإسرائيل سواء على مستوى النظم الحاكمة أو فى أوساط نخبة من يسمون أنفسهم المثقفين والمفكرين، بصورة أصبح الحديث عن التطبيع مع إسرائيل أمرًا قابلًا للنقاش العلني وليس وراء الكواليس.


لم يعد الأمر سرا، بل صار علنا وأمام الكاميرات، دخل العرب وإسرائيل مرحلة الجهر بالحب، فها هي كاتبة كويتية تغرد بالعبرية، وتجري حوارات مع وسائل الإعلام الإسرائيلية، وهذه وفود بحرينية وعراقية تزور تل أبيب، فضلا عن وزراء ومسئولون لا يرون فى إسرائيل عدوا بل دولة أمر واقع يجب الاعتراف بها. 

وفى وسط هذه الأجواء المفعمة بالحب بين العرب وإسرائيل، تذكرت أجواء استفتاء كردستان (سبتمبر 2017 ) عندما أراد الأكراد بالعراق تقرير مصيرهم وتحديد علاقتهم بالحكومة المركزية ببغداد، وكيف تعاملت الدول العربية ووسائل إعلامها مع الاستفتاء الكردي.

"إسرائيل الثانية" كلمة سمعتها كثيرا ممن يسمون أنفسهم سياسيين ومحللين وإعلاميين عرب خلال تعليقهم على استفتاء كردستان، زاعمين أن دولة كردستان حال قيامها ستكون إسرائيل جديدة بالمنطقة وسترتبط بعلاقات قوية مع تل أبيب وتتآمر معها على العرب!!

وقف العرب والترك والفرس فى وجه الاستفتاء الكردي، وأجهضوا الحلم الكردي، وتآمروا على الأكراد، وحاصروهم وفرضوا عليهم العقوبات.

اليوم وبعد أكثر من عام على الاستفتاء الكردي وفشل قيام دولة "إسرائيل الثانية" كما وصفها العرب، نرى نفس العرب يولون وجوههم شطر تل أبيب، ويطوفون حول إسرائيل الأولى، ويتغزلون فى زعمائها.

تغيرت وجهة النظر العربية، وأصبحت إسرائيل "الأولى" دولة شقيقة، ولكنهم مازالوا ينظرون لكردستان بتوجس وترقب دون سبب مبرر أو مقنع.

يتحدث العرب دوما عن مخاوفهم من التمدد الشيعي والنفوذ الإيراني ومحاولة نظام الملالي اختراق الدول العربية دون أن يقوموا بخطوات فعالة لمواجهة هذا النفوذ، وهذا الاختراق.

ترك العرب العراق فريسة للإيرانيين بصورة أصبحت بغداد جزء من الإمبراطورية الفارسية كما وصفها أحد مستشاري خامنئي قبل ذلك، وبدلا من قيام العرب بدعم كردستان التي تمثل شوكة فى ظهر التمدد الإيراني بالعراق سقط العرب فى فح مقاطعة وحصار كردستان عقب أزمة الاستفتاء.

يحتاج العرب لإعادة النظر فى علاقتهم بكردستان وتطبيع العلاقات مع أربيل التي هى بالتأكيد أفضل بكثير من التطبيع مع تل أبيب فى ظل أواصر الدين والتاريخ والقواسم المشتركة بين العرب والكورد.

يحتاج بعض المثقفون العرب للتعرف على القضية الكردية وتاريخها وحجم المظالم والمذابح التي تعرض لها الكورد بصورة ربما تدفعهم لإعادة النظر فى مواقفهم من التطبيع مع إسرائيل وتحويل قبلة التطبيع مع كردستان.

حقيقة أشعر بحزن وأنا أضع الكورد بتاريخهم المشرف فى الإسلام فى مقارنة مع الكيان الصهيوني المجرم، الأزمة ليست فى الكورد بالتأكيد ولكنها فى انتكاسة الفطرة التي أصابت بعض العرب، فجعلت العدو صديقا، والأخ عدوا!!

وإنني من هذا المكان أدعو السيد نيجرفان، رئيس حكومة كردستان ورئيس الإقليم المنتظر، أن يطلق مبادرة للتقارب الكردي العربي يتم فيها تبادل الزيارات والوفود المشتركة مع الدول العربية.

يمكن لحكومة كردستان أن تعتبر عام 2019 عام الانفتاح على العرب وتعريف المثقفين والمفكرين العرب بالتاريخ الكردي، والدور الذي لعبه الكورد فى دعم شعوب المنطقة، على حكومة الإقليم أن تُطبع العلاقات وتًعقد الاتفاقيات وتشارك فى الفعاليات الثقافية والمنتديات والمهرجانات الفنية بالدول العربية.

يستطيع نيجرفان برزاني أن يحول القبلة العربية من تل أبيب لأربيل، ويجعل كردستان مزارا عربيا كما جعلها قبلة للساسة الأوروبيين.

يستطيع نيجرفان أن يجعل أربيل عاصمة الثقافة الشرق أوسطية، ومحور سياسة المنطقة، وقبلة المفكرين والاقتصاديين والمستثمرين العرب بصورة تنقذ هؤلاء من فخ التطبيع وتحميهم من وصمة الخيانة، فهل يفعلها نيجرفان؟