هيئة الضرائب القطرية .. جسر آمن لعبور المستثمرين الأجانب
في محاولة جادة لتطوير المالية العامة للدولة، ومواكبة أفضل الممارسات الدولية في مجال الضرائب، بما يدعم النمو الاقتصادي ويحقق الاستقرار المالي، قررت دولة قطر، مؤخراً، إنشاء الهيئة العامة للضرائب، لتكون جهة تابعة لوزير المالية، مسؤولة عن تطبيق القوانين الضريبية وتعزيز الامتثال الضريبي.
وتتركز اختصاصات الهيئة في تطبيق القوانين الضريبية، ووضع الأنظمة واللوائح والتعليمات ذات العلاقة، وتقييم الإقرارات الضريبية، وتحصيل الضرائب، إضافة إلى تمثيل الدولة في المنظمات والمؤتمرات ذات الصلة، وإبرام الاتفاقيات مع مختلف دول العالم، بما يسهم في زيادة التعاون الاقتصادي وتشجيع الاستثمارات المشتركة.
مواكبة أفضل النظم الدولية
ويرى مراقبون أن قطر لا تهدف من إنشاء الهيئة إلى تكثيف حجم الضرائب، بل إلى تطوير ماليتها العامة ومواكبة أفضل الممارسات الدولية في مجال الضرائب، حيث يعتبر النظام الضريبي ركيزة رئيسة للسياسة المالية في معظم دول العالم، ويدعم النمو الاقتصادي للبلاد، ويحقق الاستقرار المالي فيها.
وبحسب تقرير أصدره البنك الدولي بالتعاون مع شركة "برايس ووتر هاوس" للخدمات المهنية (متعددة الجنسيات، ومقرها لندن) منتصف الشهر الماضي، فإن قطر جاءت بصدارة الدول العربية في سهولة النظام الضريبي بالنسبة للشركات.
كما حلَّت بالمرتبة الثانية عالمياً في التقييم ذاته، الذي يقيس الإجراءات التي تمثل عبئاً إدارياً بدفع الضرائب والاشتراكات بالنسبة للشركات والوقت الذي يستغرقه السداد، ومعدل الضريبة من قيمة الأرباح.
دعم للنظام المالي
ويقول المحلل الاقتصادي عاصم أحمد: إن "إنشاء قطر الهيئة العامة للضرائب خطوة جديدة ومتقدمة على طريق تقوية النظام المالي، وتحقيق مزيد من السهولة في النظام الضريبي، وتقليص الوقت الذي يتطلبه سداد الضرائب، وكل ذلك سيرفع من مكانتها بين الاقتصادات العالمية ويجعلها وجهة استثمارية لرجال الأعمال".
وأضاف أحمد : "ستعمل الهيئة أيضاً على دعم الامتثال الضريبي، وهذا سيقلص من إمكانية التهرب، وسيعزز إيراداتها المالية، التي تستخدمها غالباً في مشاريع البنية التحتية والخدمات؛ وهو الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى مزيد من التطور، وسيعزز النمو الاقتصادي للبلاد".
وأشار إلى أن هيئة الضرائب الجديدة ستمنح المزيد من المرونة فيما يتعلق بمَنح الإعفاءات الضريبية لأنشطة المؤسسات في القطاعات الاقتصادية الرئيسة؛ وهو الأمر الذي سيعزز أنشطة هذه المؤسسات، ما سينعكس إيجابياً على النمو والتنوع الاقتصادي بقطر، ويسهم في تشجيع الاستثمارات الأجنبية وجذبها.
ورأى أحمد أن الهيئة الجديدة ستعزز تنافسية قطر في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال، خاصة أنها ستواكب أفضل المعايير والممارسات الضريبية العالمية.
مرونة ستجذب الاستثمارات
من جهة أخرى، يعتقد الباحث الاقتصادي وليد سيف، أن قطر نجحت في تبني أفضل المعايير العالمية المتعلقة بالنظم الضريبية والمالية، وهذا يظهر جلياً في واقع اقتصادها، الذي يحقق بشكل متواصل إنجازات كبيرة، وبتحولها إلى وجهة للاستثمارات الأجنبية رغم وقوعها تحت الحصار.
وقُدّر حجم الاستثمارات الأجنبية في الدوحة، بحسب مسح أجرته وزارة التخطيط التنموي والإحصاء القطرية بالتعاون مع مصرف قطر المركزي، في فبراير الماضي، بـ665 مليار ريال (نحو 182.69 مليار دولار أمريكي).
وبلغ عدد المنشآت الصناعية القائمة والمقيدة بالسجل الصناعي لدى وزارة الطاقة والصناعة القطرية نحو 730 منشأة صناعية، باستثمارات تزيد على 260 مليار ريال قطري (نحو 71.4 مليار دولار أمريكي).
وقال سيف: "تشكيل الهيئة العامة للضرائب يأتي في سياق تطوير النظام الضريبي وزيادة كفاءته وتنافسيته الإقليمية والدولية، ما يعني مزيداً من السهولة في دفع الضرائب ومزيداً من جذب الاستثمارات والنمو".
وأشار إلى أن تشكيل الهيئة الجديدة بعيد عن إنهاك قطر مواطنيها أو المستثمرين الأجانب والمحليين بالضرائب، وهذا كان واضحاً في قانون الضرائب الجديد، فقد استمر معدل الضريبة على الشركات الأجنبية أو حصة الشريك الأجنبي -كما هو في السابق- عند 10% من الدخل الخاضع للضريبة.
وذكر سيف أن القانون منح المزيد من المرونة فيما يتعلّق بمنح الإعفاءات الضريبية لأنشطة المؤسسات في القطاعات الاقتصادية الرئيسة، ونصَّ على عدم إخضاع رواتب وأجور الأفراد من المواطنين والمقيمين لأي ضريبة.
كما منح قانون الضريبة إعفاءات للاستثمارات في الأسهم المدرجة في البورصة وأرباحها، والفوائد والعوائد المصرفية، وقطاعات الزراعة، والصيد البحري.
ورأى المختص الاقتصادي أن النظام الضريبي القطري الجديد سيساعد الحكومة على زيادة إيراداتها الأساسية دون أن يشكل أي إعاقة للنشاط الاقتصادي.
قطر الأفضل عالمياً
جدير بالذكر أن تقريراً صادراً عن شركة "بي دبليو سي" العالمية للاستشارات المالية والاقتصادية، العام الماضي، اعتبر أن النظام الضريبي القطري هو الأقل على مستوى العالم من حيث المتطلبات والإجراءات.
وأوضح التقرير أن إجمالي معدل الضريبة للشركات محل الدراسة في قطر هو 11.3%، وتستغرق الشركة في المتوسط 41 ساعة للامتثال للإجراءات الضريبية لها، وتسدَّد الضرائب في المتوسط على 4 دُفعات.
ويصل متوسط إجمالي معدل الضريبة بمنطقة الشرق الأوسط إلى 24.2%، وتستغرق الشركات في المتوسط 157 ساعة للامتثال للإجراءات الضريبية لها، وتسدَّد الضرائب في المتوسط على 17.1 دفعة.
ونقل التقرير ذاته عن نيل أوبرين، الشريك المسؤول عن إدارة الخدمات الضريبية في "بي دبليو سي"، قوله: إن "النظام الضريبي في قطر يتسم بالتنافسية والفاعلية الشديدة، بما يدعم أهداف الدولة الرامية إلى التوسع في اقتصادها بعيداً عن النفط والغاز".
وتابع أنه "بالإضافة إلى تطبيق معدل ضريبة تنافسي للغاية بالنسبة للشركات، استثمرت دولة قطر، أخيراً، في إدارتها الضريبية، حيث طبقت نظاماً إلكترونياً لتقديم إقرارات ضرائب الدخل على الشركات والضرائب المستقطعة".
وتوقع أوبرين أن يتم ضخ مزيد من الاستثمارات بالإدارة الضريبية في قطر، لتيسير الإجراءات الضريبية.