كوشنر .. انتهازي فاشل يشتري الصدارة بالمال
مع الحديث عن "صفقة القرن" التي تستهدف مدينة القدس، واغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وملفات معقّدة ومثيرة، برز نجم رجل الأعمال الأمريكي الذي ينحدر من أصول يهودية، جاريد كوشنر، أكثر مما كان عليه أثناء حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية، حينما كان مرافقاً للرئيس دونالد ترامب، في مهرجاناته وخطاباته الجماهيرية.
جمع رجل الأعمال المثير للجدل ثروته من العقارات، ودرس في أرقى الجامعات الأمريكية، وهو صهر الرئيس الأمريكي، الذي عيّنه في منصب كبير مستشاري البيت الأبيض، رغم أنه لا يحمل خبرة سابقة في مجالات العمل السياسي.
الولادة والتعليم
ولد جاريد كوشنر يوم 10 يناير عام 1981، لعائلة يهودية من نيوجرسي تنتمي سياسياً للحزب الديمقراطي، ولها علاقات جيدة مع المسؤولين السياسين في إسرائيل، ومع اللجنة الأمريكية للشؤون العامة الإسرائيلية المعروفة اختصاراً بـ"إيباك".
ينتمي والد كوشنر إلى أسرة يهودية أرثوذكسية تنحدر من أصول روسيا البيضاء، حيث إن جدّته رايسا كوشنر غادرت حيها اليهودي آنذاك "نوفوغرودوك" والتقت بزوجها المستقبلي جوزيف بيركوفيتش لاحقاً، ليأخذ جوزيف اسم زوجته لكونه من عائلة فقيرة جداً، بحسب ما يذكر الصحفي المعروف دانيال غولدن، في كتابه "ثمن القبول".
ويقول دانيال في كتابه أيضاً، إن كوشنر الأب انتقل عام 1949 من روسيا البيضاء إلى الولايات المتحدة، وأصبح مستثمراً في سوق العقارات. ولم يتحدّث أحفاد جوزيف لغة روسيا البيضاء أو الروسية، لكنهم احتفظوا بعناية بتقاليد عائلية، وقدّموا تبرّعات سخية إلى متحف نوفوغرودوك التاريخي والتاريخ المحلي.
ولتشارلز كوشنر (والد جاريد) سجلّ جنائي وتهم تتعلّق بالمخالفات الضريبية وأخرى بالابتزاز الجنسي، حيث يستأجر عاهرات ويرسلهن إلى خصومه ويصوّر لهم أشرطة فيديو ويرسلها إلى السلطات الفيدرالية ليطيح بهم لاحقاً، حيث أطاح بمدّعٍ عام لإحدى قضاياه، وكذلك بالشهود، وأدخلهم السجن، ثم دخل السجن هو أيضاً عام 2005؛ بسبب تهرّبه الضريبي والمساهمات غير القانونية للحملات الانتخابية للحزب الديمقراطي التي يرعاها دورياً، بحسب صحيفة الغادرديان البريطانية.
ودرس كوشنر الابن في مدرسة يهودية خاصة في ولاية نيوجرسي الأمريكية، والتحق بجامعة هارفارد، رغم أن علاماته الدراسية كانت سيئة ولا تؤهّله لدخول الجامعة الراقية.
وكشف الصحفي الأمريكي الشهير، دانيال غولدن، في كتابه "ثمن القبول"، وتحقيق أيضاً نُشر في صحيفة "برو بوبليكا" المحلية، أن والد جاريد تبرّع للجامعة العريقة بمبلغ 2.5 مليون دولار عام 1998، ما ساعد نجله على الالتحاق بها.
كما درس في جامعة نيويورك، حيث حصل عام 2007 على شهادة في القانون، وهي الجامعة نفسها التي تبرّع لها والده أيضاً بمبلغ ثلاثة ملايين دولار عام 2001.
تزوّج كوشنر ابنة ترامب، إيفانكا، عام 2009، بعد أن اعتنقت الديانة اليهودية، ولهما ثلاثة أبناء.
شراء السمعة
تنقل صحيفة "الغارديان" البريطانية عن أحد أعضاء إدارة الرئيس دونالد ترامب، قوله إن دخول جاريد كوشنر للدراسة في جامعة مرموقة مثل هارفارد يكشف مدى تلاعب الأثرياء وأصحاب الثروات في قبول الطلاب، حيث قُبل كوشنر في هذه الجامعة المرموقة مقابل 2.5 مليون دولار دفعها والده بحجة التبرّع قبيل تقديم ابنه للجامعة التي تقبل واحداً من كل 20 طالباً للانضمام إليها.
واستدعت السلطات الفيدرالية سجلات كوشنر الأب الخيرية، وعلمت أنه في عام 1998، عندما كان جاريد يدرس في مدرسة "Frisch" الثانوية وبدأ ينظر إلى الكليات، تعهّد والده بدفع مبلغ 2.5 مليون دولار لجامعة هارفارد مقابل دراسته فيها، على أن يدفع المبلغ على أقساط بلغت 250 ألف دولار سنوياً، وهذا ما حدث بالفعل.
وبحسب المسؤول في إدارة الرئيس، فقد عبّر المديرون في مدرسة جاريد الثانوية عن استيائهم من قرار جامعة هارفارد قبول طالب مثل جاريد كوشنر؛ إذ لم يتوقع المدرّسون في الثانوية يوماً أن يدخل كوشنر جامعة راقية في الولايات المتحدة مثل هارفارد، لكون معدّله التراكمي لا يُسعفه لذلك، كما لم يجتز اختبارات (SAT) الخاصة بها، وكان قرار الجامعة مخيّباً للآمال. في حين لم تمنح نفس الجامعة قبولاً لطلاب كانوا أفضل بكثير من صهر ترامب، ويستحقون إكمال دراستهم في الجامعة الأمريكية الأفضل عالمياً، وفقاً لما تذكر الصحيفة البريطانية.
ويقول المسؤول الأمريكي إن شروط قبول الطلاب في جامعة هارفارد لا تسري على كثير من أولاد عمالقة الشركات، وبارونات النفط، ومديري الأموال، والمحامين، والاستشاريين بالدرجات الرفيعة، وورثة الأموال القديمة، حيث خفّفت الجامعة معاييرها بالنسبة لذوي الأثرياء.
المال والأعمال
نشط كوشنر في مجال الاستثمارات العقارية في مؤسسة والده في نيويورك سيتي، وجمع ثروة من العقارات على غرار صهره ترامب، ورسّخ وجوده في عالم العقارات، خاصة بعد سجن والده شارل كوشنر عام 2004، بتهمة التهرب الضريبي ورشوة الشهود.
واستثمر كوشنر في عقارات منهاتن بنيويورك، واشترى ناطحة سحاب قرب أبراج ترامب بمبلغ 1.8 مليار دولار، كما اشترى أسبوعية "نيويورك أبزيرفور" بمبلغ 10 ملايين دولار، وبعد أن عانى مشكلات مالية بسبب الأزمة المالية عام 2008، انتعشت استثمارات كوشنر لاحقاً.
وخلال الحملة الانتخابية للرئاسيات الأمريكية، في نوفمبر 2016، عمل كوشنر إلى جانب ترامب، ليعيّنه، يوم 9 يناير 2017، في منصب كبير مستشاري البيت الأبيض، في حالة نادرة لإسناد منصب كبير إلى أحد أفراد عائلة الرئيس الأمريكي. حيث لا يتطلّب هذا المنصب تصديقاً من مجلس الشيوخ.
الحياة السياسية
بحكم مسيرته المهنية في مجال المال والأعمال، لا يحمل كوشنر أي خبرة في العمل السياسي، ولم يكن ظهوره إلا بجانب زوجته إيفانكا، في اللقاءات والتجمّعات التي يعقدها والدها ترامب، ليبرز لاحقاً خلال حملة الانتخابات الرئاسية، التي جرت في نوفمبر 2016، كإحدى الشخصيات التي تحظى بثقة الرئيس الأمريكي المنتخب.
ووصف ترامب كوشنر عبر وسائل الإعلام بأنه كان "ناجحاً على نحو لا يصدَّق في الأعمال التجارية وحالياً في السياسة"، وأنه "كان قيمة هائلة ومستشاراً موثوقاً به طوال الحملة والمرحلة الانتقالية"، وأكد ترامب قبل تنصيبه رسمياً رئيساً للولايات المتحدة، في يناير عام 2017، أن صهره جاريد سيكون عضواً بارزاً، وسيتولّى دوراً قيادياً في إدارته.
شبهات ومحاكم
بدأت متاعب كوشنر بعد شهور من توليه منصبه، وذلك على خلفيّة شبهات بتورّطه في قضية التدخّل الروسي المفترض في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، وفي 26 يوليو 2017، استمعت لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي إلى كوشنر، ضمن التحقيقات في علاقة حملة ترامب بالروس.
وفي يناير 2018، كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن صهر الرئيس ترامب يتمتّع بعلاقات مالية عميقة مع "إسرائيل"، رغم مهمّته المفترضة في التوسط لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
وتزيد متاعب كوشنر مع تأكيد مصادر أمريكية مطّلعة، في فبراير 2018، أنه فَقَدَ تصريحه الأمني الذي يمكّنه من الاطلاع على أكثر المعلومات سرية وحساسية، والتي تقدّم للرئيس ضمن إيجاز يومي.
وفي مارس 2018، كشف موقع ذي إنترسبت الأمريكي أن شركة كوشنر العقارية سعت، في أبريل 2017، إلى كسب تمويل قطري، غير أن العرض قابلته الدوحة بالرفض.
وتنظر جهات التحقيق الرسمية في واشنطن في مدى تأثّر مواقف رسمية أمريكية بصفقات ومباحثات تجارية أجرتها شركة كوشنر العقارية التي تملكها أسرة صهر الرئيس الأمريكي.
كوشنر ومقتل خاشقجي
إثر مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، مطلع أكتوبر الماضي، وإقرار الرياض بتنفيذ الجريمة، تمارس وسائل إعلام ونواب أمريكيون في الكونغرس ضغوطاً على إدارة ترامب، لفرض عقوبات على السعودية.
في حين يدافع ترامب وصهره جاريد كوشنر عن ولي العهد، محمد بن سلمان، ومستقبل صفقات الأسلحة مع السعودية، حيث تعرَّض كوشنر لانتقادات كبيرة؛ بسبب علاقته الوثيقة مع بن سلمان المتهم بالإيعاز لفريق الاغتيال بقتل خاشقجي.
وفي 17 نوفمبر الحالي، قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" خلصت إلى أن بن سلمان هو مَن أمر بقتل خاشقجي. لكن ترامب أكد أن الولايات المتحدة تريد مواصلة شراكتها "التي لا تتزعزع" مع السعودية؛ الأمر الذي تسبّب في توجيه سهام الانتقادات إليه مجدداً.
ورغم تعرّض الرياض لانتقادات وسخط دولي كبير بسبب حرب اليمن، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتعذيب في السجون، يضغط مستشار ترامب وصهره باتجاه تضخيم حجم مبيعات الأسلحة إلى السعودية، على الرغم من المطالبات المُضادّة بوقفها مع تكشّف الأدلة يومياً حول اغتيال خاشقجي.
وحصلت شبكة "إيه بي سي نيوز" على معلومات عن كوشنر من مسؤولَين أمريكيَّين اثنين حاليَّين، و3 سابقين في البيت الأبيض، حيث أكد المسؤولون -لم تسمّهم- أن كوشنر أوعز بتضخيم أرقام مبيعات الأسلحة إلى السعودية، ومارس ضغوطاً على وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين في هذا الإطار، في حين وافقه وزير الدفاع، جيمس ماتيس، على أهمية تضخيم حجم المبيعات للمملكة.
وأكد المسؤولون، بحسب الشبكة الأمريكية، أن الرقم الحقيقي لمبيعات الأسلحة للسعودية لا يتخطّى 15 مليار دولار. وأن وزارتي الخارجية والدفاع استشارتا كوشنر في كيفية زيادة هذا الرقم.