بقلم د.أحمد إبرهيم : متانة العلاقات المصرية الكويتية أقوى من الحوادث الفردية

بقلم د.أحمد إبرهيم : متانة العلاقات المصرية الكويتية أقوى من الحوادث الفردية
بقلم د.أحمد إبرهيم : متانة العلاقات المصرية الكويتية أقوى من الحوادث الفردية

اندهشت من تصريحات النائبة الكويتية صفاء الهاشم التي وجهت فيها الكلام للشعب المصرى "أذا كنتو نسيتو اللي جرى هاتو الدفاتر تنقرأ"..ففتحت دفترى لأقرأ ...فقرأت أن النقيب بحرى/ سيد محمد سيد قائد السرية الأولى صاعقة بحرية كان من ضمن القوات المصرية التى شاركت فى حرب تحرير الكويت.


وقرأت أنه استشهد فى يوم ١٠ أغسطس سنة ١٩٩١ أثناء تنفيذ عملية غطس دفاعى لكسح واكتشاف الألغام بقاع أحد السفن بميناء الشعيبة الكويتي في محافظة الأحمدي على بعد 45 كيلو مترا جنوب مدينة الكويت, وكان نقطة ارتكاز هامة لعمليات الإمداد والتموين للقوات المشتركة التى حررت الكويت.

وقرأت أنه أستشهد معه زميله المساعد أول/ محمد عبد اللاه عبد الفتاح وكان من خيرة رجال الضفادع البشرية المصرية ...فقرأت الفاتحة على أرواح الشهداء ... وتيقنت أن الدفاتر مليئة بما يؤكد أن العلاقات (المصرية - الكويتية) تعتبر أحد النماذج المتميزة والرائدة للعلاقات التى تجمع بين مصر وأشقائها من الدول العربية باعتبار مصر ضمانة الأمن والاستقرار والسلام المجتمعي فى تلك الدول وصمام الأمان لشعوبها.

والمتابع للعلاقات (المصرية الكويتية) عبر التاريخ سيجد أن هناك محطات مهمة ستبقى محفورة فى سجل التاريخ وذاكرة الشعبين مدي الدهر ولعل أعلاها مكانة وأغلاها ذكرى عندما اختلطت دماء الشهداء من الشعبين الشقيقين فى عدد من الحروب التى شهدتها كلا البلدين ومنها حربى ١٩٦٧ و ١٩٧٣ وحرب تحرير الكويت عام ١٩٩١ ومنها الواقعة التي ذكرتها عالية.

وقد بدأت العلاقات بين مصر والكويت مع منتصف القرن التاسع عشر حينما سافر طلاب العلم الكويتيين للدراسة فى الأزهر الشريف وجامعات مصرية أخرى وانخرطوا فى الحياة المصرية ثم عادوا لنشر العلم فى الكويت ومنهم الشيخ محمد الفارسى والشيخ مساعد العازمي.

وبدأت العلاقات السياسية الأولية بين الدولتين بالتواكب مع الحراك السياسى والشعبى فى مصر بعد الحرب العالمية الأولى حين زار القاهرة الشيخ الراحل أحمد الجابر الصباح كما زار الشيخ الراحل عبدالله الجابر الصباح القاهرة فى عام ١٩٥٣ واستقبله فى المطار كل من اللواء محمد نجيب والبكباشى جمال عبدالناصر.

وفى عام ١٩٤٢ بدأت العلاقات الثقافية بين البلدين بشكل رسمى متمثلة في البعثة التعليمية الكويتية لمصر بالاتفاق بين وزير المعارف المصرى حينذاك الدكتور طه حسين ورئيس مجلس المعارف الكويتى الشيخ عبدالله الجابر الصباح وكانت أول بعثة للطالبات الكويتيات عام ١٩٥٦ فيما شهد عام ١٩٥٩ افتتاح بيت الكويت بالقاهرة بحضور الرئيس جمال عبدالناصر.

وعلى الصعيد العسكري، عارضت دولة الكويت العدوان الثلاثى على مصر فى عام ١٩٥٦ واهتمت القيادة الكويتية بدفع تبرعات إلى القيادة المصرية.

وحين استقلت الكويت فى عام ١٩٦١ أرسل الرئيس المصرى جمال عبدالناصر برقية إلى أمير دولة الكويت الشيخ عبدالله السالم الصباح قال فيها «فى هذا اليوم الأغر الذى انبثق فيه فجر جديد فى تاريخ الوطن العربى باستقلال الكويت وسيادتها ليسرنى أن أبادر بالإعلان عن ابتهاج شعب الجمهورية العربية المتحدة وعظيم اغتباطهم بهذا الحدث التاريخى المجيد الذى اعتزت به نفوس العرب جميعا».

وأضاف عبدالناصر «وليس أحب لقلوبنا من أن ننتهز هذه المناسبة السعيدة لنبعث إلى سموكم والى شعب الكويت الشقيق بأجمل تهانينا القلبية وأمانينا الصادقة داعين الله تعالى أن يكتب لكم التوفيق والسداد وأن يمدكم بعونه حتى تصل الكويت فى عهدها الجديد بفضل قيادتكم إلى تحقيق ما تصبو إليه من عزة ومجد ورفاهية».

ويرى خبراء مصريون فى العلوم السياسية أن هذه البرقية حددت مسار العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين طوال الحقبة التى تلتها وبناء عليه عارضت مصر حينها تهديدات الرئيس العراقى عبدالكريم قاسم لضم الكويت وأصدر الرئيس جمال عبدالناصر بيانا قال فيه «إن الوحدة لا تتم الا بالإرادة الشعبية فى كل من البلدين وبناء على طلبهما معا» وقال كلمته الشهيرة «مصر ترفض منطق الضم».

وأيدت مصر استدعاء الكويت حينها لقوات بريطانية فى جامعة الدول العربية بل وشاركت فى القوات العربية التى تجمعت وقتها للدفاع عن الكويت وهو الموقف الذى قدرته دولة الكويت وجاء عرفانها وتقديرها لمصر سريعا بمشاركتها فى حربى ٦٧ و ٧٣.

وفى عام ١٩٩٠ كانت العلاقات الكويتية - المصرية على موعد جديد حين أعلنت مصر رفضها غزو صدام حسين للكويت ووقوفها إلى جانب الحق الكويتى بل ودفاعها كشريك فى حرب تحرير الكويت.

وعلى الصعيد السياسى كانت الكويت فى مقدمة الدول العربية التى سارعت إلى تأييد التطورات السياسية فى مصر فى أعقاب ثورة ٣٠ يونيو ودعمت الخطوات الإيجابية لإرادة الشعب المصرى حين أصدرت الحكومة الكويتية بيانا أكدت فيه ذلك فضلا عن دعمها الحكومة المصرية من أجل ترسيخ دعائم الديمقراطية والاستمرار فى خريطة الطريق التى رسمتها وفقا لبرنامج زمنى يكفل الاستقرار ويحفظ لمصر أمنها.

وجاء تأسيس اللجنة العليا المشتركة المصرية - الكويتية عام ١٩٩٨ لتحقيق أكبر قدر من التنسيق والتعاون المشترك فى مجالات التعاون المختلفة اضافة الى ارتباط البلدين بالعديد من بروتوكولات التعاون القديمة والجديدة بين مؤسسات كلا البلدين منها على سبيل المثال العسكرية والاعلامية.

وعلى الصعيد الاقتصادى شهد عام ١٩٦٤ توقيع أول اتفاقية تجارية بين مصر والكويت تلاها عدة اتفاقات أخرى منها الاتفاق الموقع بين غرفتى التجارة فى يونيو ١٩٧٧ واتفاق النقل البرى للركاب عام ١٩٩٨ والبروتوكول التنفيذى للاتفاقية عام ٢٠٠٠.

وشهد عام ١٩٩٨ اتفاق التعاون العلمى والفنى فى مجالات المواصفات والمقاييس ومراقبة الجودة ومنح شهادات المطابقة كما تم توقيع اتفاق للتعاون الزراعى عام ٢٠٠٠ واتفاق تشجيع وحماية الاستثمارات فى أبريل ٢٠٠١ واتفاق التعاون بين الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية وغرفة تجارة وصناعة الكويت فى ٢٠٠١ واتفاقية تجنب الازدواج الضريبى فى عام ٢٠٠٤.

قديمه هى العلاقات الكويتية - المصرية وتزداد متانة بمرور السنين وستبقى دائما علامة مضيئة للتعاون والتنسيق ووحدة المصير بين الأقطار العربية وسيعمل الجميع معا لتعزيزها وتدعيمها حفاظا على المصالح المشتركة والكيان العربى الواحد وتحقيقا للوفاق العربى بما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار فى المنطقة ومحاربة الأفكار والتنظيمات المتطرفة ... ولن تشوهها حوادث فردية أو تصريحات غير مسئولة لا تمثل إلا رؤية صاحبها ... وللحديث بقية،،،