تفاقم الدين العام يقود الاقتصاد اللبناني نحو "الإفلاس"
ينحدر الاقتصاد اللبناني المتأزّم منذ نحو 7 سنوات مسرعاً نحو كارثة ربما تقوده نحو "الإفلاس"؛ فقد توضح أنه لم ينجح في تُطبَّق خطط إصلاح كان يؤمل منها وقف هدر الأموال في مؤسسات الدولة ومكافحة الفساد وإنعاش المؤشرات الاقتصادية المتهاوية.
ويواجه لبنان في الأعوام الأخيرة معضلتين؛ الأولى مالية ترتبط بارتفاع الدين العام لتبلغ نسبته 152% من حجم الناتج المحلي للبلاد، والثانية اقتصادية تتمثل في ضعف النمو الاقتصادي؛ ففرص العمل نادرة، والبنى التحتية متردّية، وواردات الدولة من العملة الصعبة تكاد تختفي، فضلاً عن أن الحرب في سوريا عقّدت الأمور.
والثلاثاء (6 نوفمبر) أكد النائب الثاني لحاكم مصرف لبنان المركزي، سعد عنداري، أن لبنان فشل في تبني خطوات لخفض العجز الهائل في الميزانية والدين العام.
عنداري قال في خلال مؤتمر بإمارة أبوظبي إن الانضباط المالي لم يبدأ كما كان مأمولاً، مضيفاً أن الجمود السياسي عطل العملية.
وعرقلت الخلافات جهود رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري لتشكيل حكومة وحدة وطنية ليستمر الفراغ في سدة السلطة.
وأضاف عنداري أن لبنان بموارده المحدودة لا يمكنه الاعتماد على الزراعة أو الصناعة لتحقيق النمو، بل يحتاج إلى اقتصاد قائم على المعرفة باستثمارات في مجالات من بينها تكنولوجيا المعلومات.
وتابع أن الاقتصاد ينمو في نطاق بين واحد وثلاثة بالمئة، لكنه يتحمل عبء 1.5 مليون لاجئ سوري دون مساعدة دولية تذكر، مبيناً أن ذلك تسبب في توترات بسوق العمل؛ حيث يعاني اللبنانيون أنفسهم من تزايد معدلات البطالة.
- اقتصاد منهَك
بلغ متوسط النمو الاقتصادي في لبنان خلال الفترة بين عامي 2011 و2017 نحو 1.7% فقط، في رقم يعكس حجم تأثير النزاع المتواصل في الجانب الآخر من الحدود على الأوضاع الاقتصادية في لبنان.
وفي نهاية 2017، قالت الأمم المتحدة إن عدد السوريين المسجلين الذين لجؤوا إلى لبنان بسبب الحرب في بلادهم يبلغ 997 ألفاً و905 لاجئين، غالبيتهم من النساء والأطفال. وتتحمّل البلاد تكلفة باهظة لاستضافة هذا العدد من اللاجئين، الذي يمثّل ما نسبته 18.5% من عدد اللبنانيين المقيمين في بلادهم.
بالتوازي، ومع انخفاض النمو الاقتصادي فإن العجز المالي في لبنان تضاعف خلال السنوات السبع الأخيرة؛ فبعد أن كان 2.3 مليار دولار في العام 2011، وصل إلى 4.8 مليارات بموازنة العام الحالي.
- ديون تفوق حجم الاقتصاد
ولعل أكثر ما يشكّل خطورة على اقتصاد لبنان هو ارتفاع قيمة الدين العام ليصل إلى أكثر من 80 مليار دولار مع نهاية العام الماضي، بعد أن كان يقتصر على ما يزيد عن 40 مليار دولار في مطلع العام 2007.
لبنان يعدّ من بين الدول الأكثر مديونية في العالم، وهو يحتلّ المرتبة الثالثة عالمياً من حيث نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، بحسب صندوق النقد الدولي.
وبلغت نسبة حجم الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان نحو 152%، بعد أن كانت 131% في عام 2012، و47% في عام 1992.
هذه النسبة تعني أن الدين يفوق حجم الاقتصاد؛ ما يجعل حكومة البلاد تواصل الاستدانة ومراكمة الديون دون سداد.
بدوره، فقد حذّر صندوق النقد الدولي، في تقرير أصدره في سبتمبر من العام الماضي، من خطر الديون المتفاقمة على الاقتصاد اللبناني، مطالباً الحكومة اللبنانية بالسيطرة على ديونها.
الصندوق شدد على أن هناك حاجة ماسّة لوضع الاقتصاد في لبنان على مسار مستدام ووقف ارتفاع الدين العام.
والعام الماضي، خفضت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني العالمية تصنيف لبنان من (B2) إلى (B3)؛ ما يشير إلى أن الدولة معرّضة لمخاطر ائتمانية مرتفعة.
الوكالة عزت، في تقرير لها، السبب بخفض التصنيف إلى التراجع المستمرّ في أوضاع المالية العامة نتيجة ارتفاع عبء الديون.
- فقر وبطالة وفساد
في شقّ آخر من الانحدار المتواصل للاقتصاد اللبناني ارتفع حجم الاستيراد في لبنان، بحسب البيانات الجمركية الرسمية، إلى ما قيمته 20.3 مليار دولار بالعام 2017، في زيادة قدرها 29% عن العام 2016.
زيادة قيمة الاستيراد، من جهتها، تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان؛ بسبب زيادة عجز الميزان التجاري، حيث تزيد قيمة ما يتم استيراده بكثير عن صادرات البلاد التي بلغت قيمتها في العام الماضي نحو 2.5 مليار دولار فقط.
معدّل البطالة هو الآخر تضاعف في السنوات الماضية، ليصل إلى 46% في العام الحالي، بحسب تصريحات سابقة لرئيس البلاد ميشال عون، بعد أن كان 20% في العام 2014، وفق بيانات صندوق النقد الدولي.
فضلاً عن هذا، فإن نسبة الفقر في لبنان وصلت إلى ما يزيد عن 30%، وفق بيانات البنك الدولي، واتّسعت رقعة عدم المساواة في الدخل بين اللبنانيين؛ إذ يعادل مدخول 0.1% من اللبنانيين مدخول نصف سكان البلاد مجتمعين، بحسب أرقام نشرتها وكالة "رويترز"، في وقت سابق من العام الحالي.
ويمكن القول إن من تسبّب بكل تلك المؤشرات الحمراء للاقتصاد اللبناني هو حجم الفساد الذي ينخر في مؤسّسات الدولة؛ فلبنان احتلّ المرتبة 143 بين 180 دولة في تصنيف الفساد للعام 2017، الذي أجرته منظّمة الشفافية الدولية.
وفي محاولة لدعم اقتصاد لبنان ومنع انهياره عُقد، في أبريل الماضي، مؤتمر "سيدر" في العاصمة الفرنسية باريس.
وحصل لبنان من خلال المؤتمر على تعهّدات بقروض تصل إلى 10.2 مليارات دولار معظمها قروض ميسّرة، إضافة إلى هبات بقيمة 860 مليون دولار، تصبّ بمعظمها في صندوق لدعم فوائد القروض التي سيحصل عليها لبنان.
هذه القروض تمتد على فترة سبع سنوات، وبعضها رهن بشروط معيّنة، أو بإثبات جدوى المشاريع المقدّمة من الحكومة اللبنانية لإنعاش اقتصاد البلاد.
ولتجاوز الأزمة الاقتصادية، يعلق اللبنانيون آمالاً كبيرة على الحكومة الجديدة.
لكن هذه الحكومة لمتتشكّل حتى اليوم على الرغم من مرور أكثر من خمسة أشهر على إجراء الانتخابات النيابية، التي عُقدت في 6 مايو الماضي.
- هل هناك حلّ بالأفق؟
حول آفاق حلّ الأزمة المالية والاقتصادية التي يواجهها لبنان، قال المحلل المالي وليد سيف لـ "الخليج أونلاين": إن "تعهدات القروض والهبات التي حصل عليها لبنان في مؤتمر باريس ستشكّل موارد رديفة لتمويل الإنفاق الاستثماري في بيروت".
وأشار سيف إلى أن الحكومة اللبنانية تتوقّع أن توفّر القروض المقدّمة في مؤتمر باريس مصدراً جديداً للعملة الصعبة في البلاد سيخفّف من نزيف احتياطات العملة الأجنبية، ما يعني غياب تهديد الاستقرار النقدي.
سيف توقّع أن تزيد المشاريع التي ستمولّها قروض مؤتمر باريس من النمو الاقتصادي للبنان، وتوفّر فرص عمل تؤدّي في النهاية إلى زيادة الناتج المحلي.
لكن الخبير المالي استبعد أن تنخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي في لبنان؛ لأن غالبية المنح والقروض المقدّمة في مؤتمر باريس مرتبطة بمشاريع ولا توفّر تمويلاً مباشراً لاستبدال الديون ذات الفائدة المرتفعة.
وبين أن تكلفة خدمة الدين اللبناني (المبالغ التي يتم سدادها مقابل الحصول على القرض وتشمل فوائد وعمولات ارتباط ومصروفات) وصلت في العام الماضي إلى خمسة مليارات دولار، وعدم تسديد القروض ذات الخدمة العالية أو استبدالها بقروض ذات خدمة أقل تكلفة سيعني تواصل تراكم هذه الديون.
سيف لفت النظر إلى أن خدمة الدين الحكومي تلتهم حالياً ما يزيد عن 40% من إيرادات الضرائب في لبنان.
وقال: إن "الحكومة اللبنانية لم تقدّم أي خطة لسداد الديون أو تغطية عجز موازنتها العامة تتضمّن زيادة إيراداتها الضريبية أو خفض إنفاقها؛ وبذلك لا أتوقّع أن تنجح في تجاوز أزمتها الاقتصادية على المدى القريب".
وأضاف: "الاقتصاد اللبناني يتجه نحو تكرار أزمة الدين الحكومي اليونانية بفقدان السيطرة على سداد خدمة الدين، في ظلّ الإهدار الذي تعيشه مؤسسات الدولة، والعجز في الإيرادات، وتصاعد معدلات الفائدة على الديون".
جدير بالذكر أن أزمة الدين الحكومي عصفت بالاقتصاد اليوناني عام 2010، وذلك بعد تخلّف الحكومة عن سداد ديونها وارتفاع معدلات الفائدة عليها نتيجة مخاوف المستثمرين من عدم قدرة أثينا على الوفاء بديونها في ظل ارتفاع معدلات عجز الموازنة وتصاعد حجم الدين.
وهدّدت الأزمة اليونانية استقرار منطقة اليورو، آنذاك، وطرحت فكرة خروج اليونان من المنطقة الاقتصادية، لكن أوروبا قرّرت تقديم المساعدة إلى اليونان في مقابل تنفيذها لإصلاحات اقتصادية وإجراءات تقشّف تهدف إلى خفض العجز بالموازنة العامة.
وحول قدرة الحكومة اللبنانية الجديدة التي ستتشكّل في مرحلة ما بعد الانتخابات التي أُجريت مطلع الشهر الجاري على تجاوز الأزمة الاقتصادية، قال المختصّ الاقتصادي: "إن تمكّنت الحكومة الجديدة من تخفيض الإنفاق العام ومكافحة الفساد بشكل حقيقي فإنها ستتمكّن من زحزحة الأزمة نحو الاتجاه الإيجابي".
وذكر سيف أن الأزمة الاقتصادية الحالية في لبنان عميقة، وضربت جميع مقومات اقتصاد البلاد، ويجب وضع خطط جريئة لتجاوزها وإلا فإن البلاد تتجه فعلاً نحو الإفلاس.