ما هي الكونفدرالية وهل يمكن تطبيقها بين الضفة والأردن؟
"تمخّضت القضية فأنجبت كونفدرالية"، هذا نتاج "صفقة القرن" التي روّج لها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب، منذ توليه الحكم، وملأ بها بقاع الأرض بأنها ستكون الحل النهائي للقضية الفلسطينية.
وأظهرت إدارة الرئيس ترامب ضخامة وقوة للصفقة المعدَّة للفلسطينيين والإسرائيليين، وانتشرت معها الشائعات والتكهّنات حول مصير الكثير من القضايا الخلافيّة بين الطرفين، وما هي الحلول التي ستطرحها الإدارة الأمريكية من خلال صفقتها.
وأخيراً ظهرت أولى ملامح "صفقة القرن" الأمريكية؛ وهي "الكونفدرالية" بين الضفة الغربية والأردن، حيث كشف الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، هذا الطرح الجديد المقدَّم من ترامب، وأبدى الأول موافقته على هذا الطرح شرط دخول الإسرائيليين به.
الأردن رسمياً أعلن رفضه للفكرة المطروحة من قبل الولايات المتحدة حول إقامة "كونفدرالية" مع الضفة الغربية، مشدّداً على أهمية بناء الدولة الفلسطينية وفق حدود 1967.
ومشروع "الكونفدرالية" بين الضفة الغربية والأردن لم يكن جديداً على الفلسطينيين؛ إذ يُعتبر عباس من أول وأكثر الشخصيات المؤيّدة لهذه الفكرة، والذي دائماً كان يطرحها في عدة مناسبات.
ويُفهم من مصطلح "الكونفدرالية" بأنها إطار سياسي ومؤسّساتي تندمج فيه عدة دول مدفوعة برغبة في تسيير مشترك لبعض المصالح دون أن تتخلّى أي منها عن أي جزء من سيادتها الوطنية، وإنما يقتصر الأمر على تفويض بعض الصلاحيات ومجالات التسيير للإطار الكونفدرالي؛ مثل الاقتصاد والمالية والجمارك.
يتميز النظام الكونفدرالي باقتصاره على الإطار المؤسّسي دون ملامسته لتشعّبات الواقع الاجتماعي والسياسي، الذي يبقى تسييره من صلاحيات الحكومات الأعضاء.
وظهرت الكونفدرالية صيغة للنظام السياسي أول مرة سنة 1228 ميلادية، مع قيام كونفدرالية ليفونيا التي جمعت 5 وحدات سياسية صغيرة في منطقة البلطيق، وقامت على أراضٍ واسعة منها ليتوانيا وإستونيا.
مؤشر خطير
الباحث الفلسطيني طارق معمر يؤكّد أن مواصلة عباس طرح موضوع الكونفدرالية مع المملكة الأردنية مؤشر خطير لما يدور في فلك السياسة الفلسطينية، وبداية حقيقية لفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة.
ويقول معمر: "الفكرة بحد ذاتها تُعتبر تخلّياً واضحاً عن أهداف وميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، وبمنزلة خدمة تُقدَّم على طريق صفقة القرن".
ويوضح أن مجمل ما يدور وما يُطرح الآن هو ربح صافٍ للاحتلال الإسرائيلي، وتقديم بدائل عن موضوع حل الدولة الفلسطينية وقضيتها العادلة، وقبول الرئيس عباس بالفكرة هو تخلٍّ واضح عن عدالة قضية فلسطين.
ويرى أن كل ما يُحاك ضد القضية الفلسطينية هو ضياع لهوية اللاجئ الفلسطيني الذي يتعرَّض لضغوطات من قبل الإدارة الأمريكية المنحازة لصالح "إسرائيل".
ويستطرد الباحث الفلسطيني بالقول: "المطلوب وطنياً إعادة الاعتبار للمصلحة الوطنية العليا من خلال وقف الإجراءات العقابية على قطاع غزة التي اتخذتها السلطة برام الله، وإنهاء الانقسام، وتقديمه على أي خيارات أخرى كالتهدئة مع العدو وما شابه".
الهاجس الديموغرافي
دراسة فلسطينية سابقة ناقشت مشروع الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية"، وخلصت إلى أن المشروع بين الأردن وفلسطين في هذه المرحلة مرفوض شعبياً من قبل الشعبين؛ نظراً لما يكتنف الموضوع من "ضبابية".
وتوصّلت الدراسة إلى أن الفكرة الأساسية "للكونفدرالية" هي إقامة دويلة فلسطينية في الضفة الغربية على حدود 1967، على هيئة كانتونات مقطّعة الأوصال ومنزوعة السلاح تندمج باتحاد كونفدرالي مع الأردن.
وبيّنت أن الأردن سيتكفّل بالدور الأمني والحدودي على غرار نسق "إيطاليا والفاتيكان".
وتوصّلت الدراسة إلى أن تطبيق فكرة "الكونفدرالية" فرصة لنقل الهاجس الديموغرافي من "إسرائيل" إلى الأردن، ومن ثم "إلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وضياع حقوقهم المشروعة.
وعلى الجانب الرسمي، وفق الدراسة، فإن هناك "ادعاءات بأن صيغة الكونفدرالية تبدّد مخاوف المطالبين بقوننة فكّ الارتباط، الذين يخشون تذويب الهوية الاردنية؛ لأن نموذج الكونفدرالية يُبقي على الجنسيتين مستقلتين.
وترى الدراسة أن الالتزام بحل الدولتين هو الاستراتيجية الفاعلة لدى الأردن حالياً، رغم التعقيدات وتراجع المؤشّرات التي تدلّ على نجاحها.
وبيّنت أن "العلاقات الأردنية الفلسطينية تتميّز بطبيعة خاصة تختلف في مكوّناتها وأدواتها وظروفها عن العلاقات الأخرى التي تربط بين الدول والشعوب، وتدخل في بنائها عوامل داخلية وإقليمية ودولية، وأبعاد جيوبوليتكية، وتحوّلات تاريخية قديمة.
وتعتبر الدراسة أن "العلاقة المستقبلية ستمثّل أحد العوامل المهمّة في تحديد مستقبل القضية الفلسطينية، وتحديد ماهيّة الكونفدرالية من الناحية النظرية وتحديد رؤية أو تصوّر الطرفين لها يُعتبر من الأهمية بمكان، لما لذلك من أثر كبير في مستقبل تعامل الطرفين مع أي طروحات أو خيار كونفدرالي.
إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
المحلل السياسي الفلسطيني طارق الفرا يرى أن خطوة "الكونفدرالية" تتجسّد في قبول الفكرة فلسطينياً، وهو ما يعني هروب من أساسيات القضية والثوابت.
ويقول: إن "هذا الاتجاه يأتي عن طريق التنازل عن حدود يونيو 1967، فمن المطالبة بدولة فلسطينية مستقلّة ذات سيادة على الأرض يتم التوجه نحو دمج بعض المناطق في الضفة الغربية تحت حكومة مركزية مع الأردن".
ويعتبر الفرا أن طرح فكرة "الكونفدرالية" في هذا التوقيت جاء لإنهاء وجود أي تمثيل فلسطيني في الأراضي الفلسطينية، وهو ما يسعد الاحتلال لاحقاً ليفعل ما يشاء.
ويذكّر أن فكرة "الكونفدرالية" طُرحت منذ سنوات، ولكن هذا المرة الطرح الأمريكي المحدَّث يحث السلطة على هذه الخطوة، وسيتم تشكيل ضغوطات كبيرة على الأردن لقبول هذه الكونفدرالية.