بعد قطع تمويل"الأونروا".. ما مصير 5 ملايين لاجئ فلسطيني؟
بات السؤال الذي يُقلق الجميع ويُطرح بقوة في الساحة الفلسطينية وخارجها، بعد القرار الرسمي الصادر عن الإدارة الأمريكية بوقف كل أشكال التمويل المالي المقدم لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، هو "هل انتهى عمل وكالة الغوث، وما مصير أكثر من 5 مليون لاجئ فلسطيني؟".
التصعيد المفاجئ من قبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وضع وكالة الغوث الدولية في موقف صعب، وجعل الخيارات التي تتوفر أمامها محدودة للغاية، في ظل اعتمادها الرئيسي على التمويل والدعم المالي الذي يقدم لها من الخارج لتغطية النفقات على المناطق الخمس التي تشرف عليها لتغطية نفقات اللاجئين وأحفادهم في "قطاع غزة، والضفة الغربية، والأردن، ولبنان، وسوريا".
وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، مساء أمس الجمعة، قطع مساعدات بلادها المالية لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، بالكامل.
وقالت المتحدثة باسم الوزارة، هيذر ناورت، في بيان، إن واشنطن قرّرت عدم تقديم المزيد من المساهمات الأونروا بعد الآن.
وكانت تقدم الولايات المتحدة 350 مليون دولار سنوياً للمنظمة الدولية، بشكل يفوق إسهام أي دولة أخرى، ويمثل هذا المبلغ أكثر من ربع الميزانية السنوية للمنظمة، والبالغة 1.2 مليار دولار.
"هل انتهى دور الأونروا؟، وكيف سيؤثر قرار ترامب على مشاريعها التشغيلية والإنسانية في المناطق الخمس؟، وماهي الخيارات المتاحة أمامها لتجاوز الأزمة؟ وهل هذه مقدمة لإسقاط صفة "لاجئ" بشكل نهائي؟، أسئلة طرحها مراسل "الخليج أونلاين"، على مراقبين ومختصين، للبحث عن إجابات وحلول تفسر الوضع القائم والقادم بهذا الملف.
-الدخول في أزمة طاحنة
المتحدث الرسمي باسم وكالة "الأونروا"، سامي مشعشع، أكد أن القرار الأمريكي المفاجئ بقطع التمويل المالي المقدم لوكالة الغوث، كان صعبًا وقاسيًا للغاية، وسيكون له ردات فعل سلبية على عمل وكالة الغوث في المناطق الخمس التي تشرف عليها وتقدم خدمات لملايين اللاجئين الفلسطينيين.
مشعشع أضاف: "رغم أن القرار الأمريكي كان صدمًا ومستغربًا وستكون له آثار جانبية وصعبة، إلا أن عمل الوكالة لن ينتهي بقرار من الرئيس دونالد ترامب، وستبقى هذه المنظمة الأممية شاهدًا حيًا على جريمة تهجير الفلسطينيين من أرضهم بالقوة".
ولفت إلى أن "كافة الخدمات الإنسانية والتعليمية والصحية والإغاثية والإقراضية والطارئة وصرف رواتب موظفيها وتحسين المخيمات، ستبقى على وضعها القائم ولن تتغير أو تمس على أرض الواقع" مشيراً إلى أن "القرار الأمريكي سيدخلنا بأزمة مالية كبيرة لكن سيكون هناك حلول لإبقاء العمل قائم".
كما توقع الناطق باسم "الأونروا" أن يكون للقرار الأمريكي بقطع التمويل ردود فعل عربية ودولية إيجابية ومساندة في المحنة المالية، التي تعاني منها الوكالة الأممية منذ شهور طويلة، وتغطية العجز القديم والعجز الجديد الذي سيخلفه القرار الأمريكي الذي أعلن عنه أمس الجمعة.
ولفت إلى أن وكالة الغوث ستقود حملة عالمية كبيرة خلال الفترة المقبلة من أجل البحث عن الدعم والتمويل المالي لها، وسد كل الثغرات التي ستؤدي لتقليص خدماتها ودعماه لأكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني حول العالم، موضحاً أن "الأونروا تعاني الآن من عجز وصل لـ 217 مليون دولار".
وشدد مشعشع على أن "الأونروا ستبقى قائمة بإرادة من المجتمع الدولي سيصعب على إدارة الرئيس ترامب كسرها، أو حتى تغيير هذا الاتجاه من العالم المتضامن مع قضية اللاجئين الفلسطينيين".
الجدير ذكره أن الوكالة الأممية التي تأسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949؛ لتقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين، تعاني من أكبر أزمة مالية في تاريخها، بعد قرار أمريكي قبل أشهر بتقليص المساهمة المقدّمة لها في 2018 إلى نحو 65 مليون دولار، مقارنة بـ365 مليوناً في 2017.
وكانت الإدارة الأمريكية قد حجبت يناير الماضي مبلغ 65 مليون دولار تعهّد به، قبل أن تقوم الجمعة بإلغاء دفع المبلغ نهائيًا، وسيمثل إلغاء هذا التمويل ضربة للوكالة وعملها.
ويأتي التحرك بعد أسبوع من قطع واشنطن مساعدات للفلسطينيين بأكثر من 200 مليون دولار، والذي من المرجح أن يؤجج التوتر بين القيادة الفلسطينية وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
-انتفاضة دولية
من جانبه أكد رئيس دائرة شؤون اللاجئين، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير النائب أحمد أبو هولي، أن القرار الذي صدر من واشنطن بوقف تمويل وكالة "الأونروا"، لن ينجح في إلغاء التفويض الذي منح لها بقرار أممي رقم "302"، لتقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين.
واعتبر أبو هولي، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن هذا القرار بمثابة "عقاب وإبتزاز سياسي" تفرضه إدارة الرئيس ترامب على الفلسطينيين، ويمس بصورة مباشرة قضية اللاجئين حول العالم لإنهاء عمل "الأونروا"، وقد يساهم بخلق حالة من التوتر في المنطقة بأكملها وليس فلسطين وحدها.
وعن الحلول المتوفرة لتخطي هذه الأزمة قال المسؤول الفلسطيني: "نعم سنبحث عن حلول في كل مكان لتخطي هذا العقاب والابتزاز الأمريكي، لن نقف مكتوفي الأيدي وسنحاول خلال الفترة المقبلة حشد كل الدعم من قبل الدول العربية والأجنبية ومن الأمم المتحدة، لتغطية العجز القائم للاستمرار بتقديم الخدمات لاميين اللاجئين".
وأضاف: "سيعقد في نيويورك نهاية شهر أكتوبر المقبل مؤتمر دولي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسيكون هذا المؤتمر منصة عالية للإعلان عن تحدي للقرار الأمريكي بإرادة دولية وأممية، وتوفير الدعم المالي لوكالة الغوث، لمنع انهيارها وإبقاء أبوابها مفتوحة".
ولفت أبو هولي إلى أن "الدول المانحة ستكون أمام مفترق طرق خطير للغاية في تاريخ القضية الفلسطينية، إما توفير الدعم المالي ومضاعفته وتوفير مانحين جددي غير الولايات المتحدة وقول كلمة (لا) لإسرائيل وإدارة ترامب، أو المساعدة في إضاعة حق استمر طوال 70 عامًا التي مضت" متوقعًا أن "يشهد العالم انتفاضة دولية لإنقاذ وكالة الغوث".
وذكر أن هناك جهد عربي تقوده الأردن وكذلك دولية برعاية الأمم المتحدة خلال الفترة المقبلة للحفاظ على "الأونروا"، مشدداً على أن تداعيات سقوط وكالة الغوث ستكون خطيرة محلياً وعربياً ودولياً، و"سيعرض اللاجئين الفلسطينيين حول العالم لكوارث".
بدوره، دعا الحقوقي صلاح عبد العاطي، مدير المركز الفلسطينيّ لأبحاث السياسات والدّراسات الإستراتيجيّة (مسارات) في قطاع غزة، إلى ضرورة مواجهة القرار الأمريكي بإصدار قرار من الجمعية العامة، لضمان استدامة تمويل وكالة الغوث أسوة بالوكالات الدولية المتخصصة.
وطالب عبد العاطي، في تصريح له، السلطة الفلسطينية بالقيام بدورها والارتقاء إلى مستوى المسؤولية التاريخية والوطنية، والعمل على رفع العقوبات عن قطاع غزة، وتفعيل دور الدبلوماسية الفلسطينية من أجل إدانة مثل هذه القرارات وتحويلها إلى عبء على السياسات الخارجية الأمريكية.
ورأى ضرورة مواجهة القرار الأمريكي بالبحث عن ممولين جدد عرب وفلسطينيين، من الأثرياء والشركات والمؤسسات الدولية، والعمل مع المجتمع الدولي وباقي الأطراف الدولية خاصة الاتحاد الأوروبي لتعويض هذا النقص في تمويل وكالة الغوث، مؤكداً أن هذا "يتطلب جهوداً دبلوماسية وعربية من أجل استمرار عمل وكالة الغوث لحين عودة اللاجئين الفلسطينيين".
وكانت الولايات المتحدة حاولت سابقاً اختزال عدد اللاجئين الفلسطينيين لـ40 ألف لاجئ فقط بدلا من 5.9 مليون، وبعد فشلها بإقناع أي دولة في الموضوع لجأت أمس إلى قرارها بوقف المساعدات كليا عن "الأونروا" واتهامتها بتنفيذ برامج وصفتها "بأنها منحازة بشكل لا يمكن إصلاحه".
وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، إن الرئيس والقيادة الفلسطينية يدرسون التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، لمواجهة القرار الأمريكي بخصوص وكالة الأونروا، وذلك لاتخاذ القرارات الضرورية لمنع تفجر الأمور.
-ما الذي يُخف "إسرائيل"؟
وعلى الجانب الإسرائيلي، استعرضت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، ما أسمته بـ"الآثار الخطيرة" التي ستنجم عن إنهاء عمل "الأونروا"، مشيرة إلى أن المؤسسة العسكرية تخشى عودة العمليات المسلحة ضد الإسرائيليين.
وقال الكاتب في صحيفة "إسرائيل اليوم" نداف شرغاي، إن "التطورات المتلاحقة بشأن مستقبل الأونروا، دفعت مكتب منسق شؤون المناطق الفلسطينية بوزارة الأمن الإسرائيلية للإقرار بالمشكلة القادمة أمام المنظمة الدولية، مع وجود توجهات أمريكية قاسية نحوها، ما أحدث أجواء من السخط والغضب داخل المؤسسة الأمنية".
وأضاف أنه "رغم أن هذه المنظمة تعمل على تخليد قضية اللاجئين الفلسطينيين، ونقلها من جيل إلى جيل، وتوريثها من مرحلة لأخرى، لكن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تبحث عن الهدوء، ولذلك فإنها ترفض أن تتسبب أي ارتباكات في عمل الوكالة في أحداث من الفوضى الأمنية".
وأوضح شرغاي أن "هناك مخاوف إسرائيلية من أن تسفر الإجراءات ضد الأونروا عن أحداث من المظاهرات الشعبية، وتصعيد في العمليات المسلحة".
كما حذر من أن أي اقتراب من الأونروا قد يؤدي لوقف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" وتجدد العمليات المسلحة، بسبب تضرر اللاجئين الفلسطينيين.