واشنطن بوست: الحرب السورية تدخل مرحلتها الأخيرة والخطيرة
قالت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية إن الحرب السورية تدخل مراحلها الأخيرة والأكثر خطورة؛ حيث ستبدأ القوات النظاميَّة السوريَّة وحلفاؤها بمحاولة بسط سيطرتها على آخر المناطق الخارجة عن نطاق نفوذها، في ظل وجود قوى أجنبيَّة أخرى.
وتابعت الصحيفة: إن "النصر الذي تحقَّق لقوات النظام السوري في معركة جنوب غربي البلاد سمح لنظام الأسد بالسيطرة على أغلبيَّة مناطق البلاد، وبات النظام اليوم في مأمن من أيّ تهديد عسكري أو دبلوماسي واضح".
رغم ذلك، تقول الواشنطن بوست، ما زال نحو ثلث البلاد خارج سيطرة النظام، وهي مناطق تواجد للقوات الأمريكية والتركية، فلقد نشرت تركيا قواتها في الشمال الغربي من سوريا، وفي أجزاء من محافظة حلب، وفي إدلب، والتي يُتوقَّع أن تكون الهدف القادم لقوات الأسد، في حين تملك أمريكا قرابة 2000 جندي من قوات العمليَّات الخاصة في شمال شرقي سوريا، في إطار الدعم الأمريكي لحلفائها الأكراد الذين يقاتلون تنظيم داعش.
في هذه الأثناء رسَّخت إيران من قواتها ومليشياتها المتحالفة معها إلى جانب القوات السوريَّة النظاميَّة، وهو ما أثار مخاوف عميقة في "إسرائيل".
ويرى محلّلون أنه حتى مع دخول الحرب السورية مراحلها النهائية فإن الخطر المتمثّل الآن يكمن في اشتعال صراع أوسع ما لم يتم تدارك الموقف.
وسيكون العبء الأكبر في هذه المرحلة على روسيا؛ باعتبارها الدولة المؤثّرة في الصراع السوري منذ تدخّلها عام 2015، وأيضاً لكونها الدولة التي تملك علاقات جيّدة مع كل الأطراف، ومن ضمنهم إيران و"إسرائيل".
ولقد نجحت موسكو في أداء هذا الدور خلال الفترة الماضية، وأسهمت في إخماد المخاوف من أن يؤدّي الصراع في سوريا إلى اشتعال حرب إقليميَّة.
لكن القدرة الروسيَّة على تحقيق التوازن بين المصالح المختلفة خلال الفترة الماضية ستكون على المحكّ خلال المرحلة اللاحقة، كما يقول رياض خويجة، رئيس شركة أنيغما للاستشارات الدفاعيَّة.
وتابع: "روسيا ليست قادرة على أداء هذا الدور خلال المرحلة المقبلة؛ فلقد فشلت دبلوماسيَّة موسكو في معالجة مخاوف إسرائيل بشأن الوجود الإيراني، فإيران استثمرت الكثير في سوريا ولن تغادر الآن، وإذا رفضت إيران إخراج قواتها من سوريا وأصرَّت إسرائيل على ذلك فقد يعني هذا وقوع الحرب".
وتركّز روسيا في الوقت الحالي على تحقيق الاستقرار في المناطق التي استعادت قوات النظام السيطرة عليها فعليّاً، وإعادة جزء من نحو 6 ملايين لاجئ سوري فرّوا خارج البلاد، وإعادة بناء جيش الأسد، والبدء بإعمار المناطق المتضرِّرة من الحرب، وضمان الاعتراف الدولي بالجهود الروسيَّة من خلال تسوية سلميَّة.
ويرى كمال علام، من المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، والذي كان في زيارة مؤخراً إلى دمشق، أن الروس يُدركون أن المناطق التي استُعيدت هي بمنزلة قنابل موقوتة، وهم يريدون التأكّد من عدم وجود هجمات انتقاميَّة واسعة النطاق، فالحرب لم تنتهِ بعد، ولكن حان الوقت من أجل العمل على تحقيق الاستقرار في البلاد، وهو عمل شاقٌّ.
الأولويَّة الفوريَّة لحكومة الأسد الآن هي استعادة المناطق المتبقيَّة خارج سيطرتها؛ بدءاً من محافظة إدلب، بحسب تصريحات رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
في هذه الأثناء تقوم تركيا بتعزيز مراكز المراقبة الخاصة بها في إدلب، والتي تم تأسيسها بموجب الاتّفاق مع روسيا، وقد وصف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إدلب بأنها خطّ أحمر، وتعهَّد بمقاومة أيّ محاولة لاستعادتها، ما يزيد خطر المواجهة بين بلاده، العضو في حلف الناتو، وبين سوريا وروسيا وإيران.
وترى الواشنطن بوست، أن المعركة في إدلب في حال وقعت ستكون الأكثر دمويَّة وتدميراً من أي معركة سابقة؛ فإدلب تضمّ قرابة 70 ألف مقاتل من قوات المعارضة السورية، وهو أكبر تجمّع لمقاتلي المعارضة.
كما تضمّ نحو 3 ملايين مدنيّ لجأ أكثرهم من مناطق أخرى في البلاد شهدت قتالاً عنيفاً.
ويرى محللون أن الهجوم على إدلب سيؤدّي إلى أكبر أزمة إنسانية في سوريا حتى الآن، وقد يؤدّي إلى خروج جماعي للاجئين باتجاه تركيا، وربما باتّجاه أوروبا.
المسؤولون الروس أكَّدوا أنهم يفضّلون التوصّل إلى حلٍّ تفاوضيٍّ لإدلب؛ على غرار المعركة الأخيرة جنوب غربي سوريا، والتي كانت غير دموية مقارنة بمعارك أخرى، بعد أن وافق معظم الجماعات المسلَّحة على عقد اتّفاق مع النظام، في حين انضمَّت مجموعات أخرى لقوات النظام لمقاتلة تنظيم "داعش".
المبعوث الروسي الخاصّ بسوريا، ألكسندر لافرنتيف، قال لوكالة الأنباء الروسية " تاس"، إن روسيا ترغب في استخدام جنوب غربي سوريا كنموذج في إدلب، معرباً عن أمله في تجنُّب معركة دامية.
وأكَّد استعداد روسيا لتقديم أيّ مساعدة للفصائل المعارضة المعتدلة الذين يوافقون على محاربة الجماعات المتطرِّفة، على حدِّ قوله.
من جهته قال بسام بربندي، الدبلوماسي السوري السابق والمنشقّ عن النظام ويعمل الآن مع المعارضة، إن المعارضة السورية مستعدّة للترويج لمثل هذا الطرح الروسي، ولكنها تريد أن تعرف ماذا ستكسب في المقابل.
وتابع: "المعارضة المسلّحة في إدلب تريد على الأقلّ ضمانات بأن يكون لديهم شكل من أشكال الحكم الذاتي والحماية، ربما تحت رعاية روسيَّة أو تركيَّة".
وأكّد بربندي أن "روسيا قالت في الماضي إنها تريد تسوية تفاوضيَّة فقط، لكن قبل الهجمات التي يمكن أن يشنّها النظام"، موضّحاً أنه من الممكن أن "تقع معركة مدمّرة في إدلب، لكن ما زال هناك وقت لعمل الدبلوماسية، ويمكن القول إنه في نهاية هذا العام يمكن أن نرى نهاية الصراع الرئيسي في سوريا".
وفيما يخصّ المناطق الخاضعة للسيطرة الأمريكية، ترى الواشنطن بوست أنها ستكون أقلّ مشاكل؛ فلقد أعلن الرئيس دونالد ترامب، أنه سيُبقي فقط على القوات الخاصة لضمان عدم عودة داعش، التي ما تزال تحتفظ بجيب لها في الأراضي الحدودية قرب العراق.
وأمّا بالنسبة إلى الأكراد حلفاء واشنطن، فقد شرعوا في تفاهمات مع النظام من أجل منحهم شكلاً من أشكال الحكم الذاتي في المناطق التي قاموا بتحريرها من "داعش".