مقال بقلم د/ ياسر حسان: الأرقام .. لا تثمن ولا تغني من جوع
اطلعت علي بيان الحكومة ومازلت عند رأي السابق عندما كلفت من حزب الوفد بالرد علي بيان حكومة المهندس شريف اسماعيل في ان بيانات الحكومة امام البرلمان غريبة ولا اعرف من يكلف بكتابتها .. معظم البيان كانه سابقة اعمال لشركة مقاولات يسرد بتفاصيل عدد الطرق واطوالها وكم البنايات وارتفاعها، ولا يتحدث كثيراً عن الاقتصاد الكلي للدولة الا في سطور قليلة، رغم أن المؤشرات الاقتصادية الكلية هي اساس تكليف ومعيار نجاح الحكومات .. وفي العموم فأن أهم نقطة اهم نقطة جاء ذكرها في البيان حسب ما آري هي أستهداف الحكومة رفع معدل النمو الاقتصادي الحقيقي إلى 8% في 2021/2022 مقارنًا بـ4.5 % في عام 2017/2018 من خلال رفع معدل الاستثمار ليصل إلى 25% سنويًا، وطبعاً لم تذكر الحكومة اليات رفع معدل الاستثمار الي 25%، رغم سيطرة الدولة نفسها الان علي قطاع كبير من الاقتصاد .. لكن سارجع هنا الي مرجع مهم في الاقتصاد الكلي وهو كتاب A Farewell to Alms .. Brief Economic History of the World للدكتور Gregory Clark استاذ التاريخ والاقتصاد بجامعة كالفورنيا ديفيز، الكاتب حلل وقارن ارشيف المستندات والتقارير عن الاقتصاد البريطاني لمدة 800 سنة .. ملخص الكتاب الذي نشر عام 2007 ان الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر ضاعفت معدلات النمو اكثر من 10 اضعاف النمو في السنوات السابقة للثورة في بريطانيا ودول اخري، لكن هذا لم يعود بالنفع المباشر علي الشعوب بل ان كثيراً منهم بات في حالة اسوأ مما كان عليه اباؤهم، الكتاب ينتقد بشدة نظريات النمو الاقتصادي الكلاسيكية ويتناول بعمق جوانب هامة تاريخية واقتصادية ليس محلها هذا المقال.
النمو المتضاعف لم يعود بالنفع المباشر علي الشعوب، بل اصبح الكثير منهم في ظروف أصب ممن سبقوهم
وقد لخص نتائج الكتاب الدكتور محمود محي الدين الخبير الاقتصادي القدير والنائب الاول لمدير البنك الدولي حالياً في مقال له باسم "النمو لوحده لا يكفي" نشر في يناير 2008، ووقتها كانت تتباهي حكومة مبارك بمعدلات نمو قاربت 7% وكان الدكتور محمود نفسه عضواً في الحكومة, وكانت تضم كفاءات افضل كثيراً ممن نراهم اليوم، لكن معدلات النمو المرتفعة في عهد مبارك لم تشفع له من غضب الشعب من سوء الاوضاع المعيشية ولا اقول "الاقتصادية" .. لانه ببساطة اذا لم تتحول المؤشرات الاقتصادية الي مؤشرات معيشية اصبحت مجرد أرقام علي ورق لا تثمن ولا تغني من جوع ...