بقلم د. ياسر حسان: أزمة قطر .. وصراع الطرشان

الدكتور ياسر حسان سياسي مصري وقيادي بحزب الوفد المصري
الدكتور ياسر حسان سياسي مصري وقيادي بحزب الوفد المصري

من يتابع أزمة الدول العربية الأربع مع قطر يتأكد أننا أمام صراع الطرشان، صراع لا يريد أن يستمع فيه أحد من أطرافه إلى الآخر، بينما يقبلون كل الإملاءات الغربية التي تُفرض عليهم، فمنذ البداية لم تكن الشروط الثلاثة عشر التي أرسلتها الدول العربية الأربعة إلى قطر منطقية ولم يكن بها أي قدر من المرونة بل إن بعض المحللين يرونها أكثر مما طلب من اليابان عقب هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، ويرون أيضاً أن هذه المطالب قُدمت لكي تُرفض، وبالفعل كان الرد القطري عليها أيضا حاسما ولم يفتح باباً لأي حوار. 


ومنذ بداية الأزمة وكل أطراف عملية الصراع يتسابقون إلى زيارة كل دول العالم مجتمعة، فالجولات المكوكية لوزير الخارجية السعودي إلى الولايات المتحدة ومنها إلى عدة عواصم عالمية، تتبعها مباشرة جولات لوزير الخارجية القطري لنفس العواصم ليدحض ما قاله وزير الخارجية السعودي، ليسافر بعدها وزير الخارجية الإماراتي ليفند حجج ما قاله وزير الخارجية القطري. والمحصلة إن هذا صراع سوف لا ينتهي إلى شئ، وسوف تدهشك غرابة الأزمة عندما تستمع إلى الإعلام في كلا الجانبين الذي لا ينفك إلا أن يذكرنا بعظائم الأمور وشدائدها التي يتعرض لها كل جانب نتيجة أفعال الجانب الآخر، والحقيقة أن إعلام كلا الجانبين خلا من الحيادية في هذا الصراع وكانت معظم استنتاجاته تحركها العواطف وليس العقل، فبينما تتفاخر قناة الجزيرة بحديث "ديفيد باتريوس" رئيس جهاز الاستخبارات الأمريكية لها، وهو يؤكد بأن أمريكا هي التي طلبت من قطر إيواء قادة حماس وطالبان وغيرها من المنظمات، تجد في الوقت ذاته إعلام الدول الأربع يؤكد أن الحصار على قطر سيؤدي إلى حدوث انقلاب من داخل الأسرة الحاكمة على الحاكم، والذي تبين فيما بعد أنها كانت أماني أكثر منها واقعاً، لإن من يتابع الحصار الاقتصادي على قطر عن قرب يتأكد أنه ليس له التأثير الكبير الذي يتحدث عنه الاعلام، فحجم التبادل التجاري بين قطر والمملكة العربية السعودية، أقرب جاراتها، لا يتعدي 4 مليارات ريال قطري وهو رقم ضعيف جدا، كما أن حجم التبادل التجاري بين قطر والإمارات يتجاوز بقليل ال 8 مليارات ريال قطري وهي أرقام ضئيلة في ميزانية قطر، بالإضافة إلى أن حجم التبادل التجاري بين قطر وكل الدول العربية مجتمعة يشكل 1/8 من حجم التبادل التجاري بين قطر وباقي دول العالم .. إذن من غير المتوقع أن يؤتي الحصار الاقتصادي على قطر أي نتائج ملموسة على الأقل على المدى المتوسط، وهو أمر طبيعي أذ علمنا أن حجم التبادل التجاري البيني بين الدول العربية وبعضها البعض ضعيف مقارنة بباقي دول العالم. 

أما عن اتهام قطر بتمويل الإرهاب فهو اتهام صحيح في كثير من جوانبه، إنما ما يثير اهتمامك هو أن بعض الدول الأربع نفسها ليست ببعيدة عن الاتهام بالإرهاب وأقصد هنا تحديداً المملكة العربية السعودية التي تأتي على رأس جميع تقارير دعم الإرهاب، والتباين في ذلككبير بين الاعلام العربي والاعلام الغربي، فبينما تندفع قناة سكاي العربية في مهاجمتها لقطر واتهامها بالإرهاب، نجد أن قناة سكاي نيوز الأصلية البريطانية تنشر تقريرا صادراً عن بريطانيا يضع المملكة العربية السعودية على رأس الدول الداعمة للإرهاب، وهناك تقرير صادر عن كندا منذ يومين أشار إلى أن المملكة العربية السعودية هي أكبر الدول الداعمة للإرهاب، وفيما يتعلق بتهمة دعم قطر لجماعة الأخوان المسلمين، فالجميع  يعلم أن الأخوان المسلمين أنفسهم جزءاً أساسياً من نسيج المجتمع البحريني الذي يخلق توازنا بين السنة والشيعة، كما أنهم جزء من النظام الحاكم في دولة البحرين، وبالإضافة إلى ما سبق هناك أيضا خلاف خليجي حول هذا الصراع، فكل دول مجلس التعاون الخليجي لا تتخذ نفس الخطوات ولا تتبع نفس المنهج ولا توجه نفس الاتهامات إلى قطر، بل علي العكس فدولة الكويت التي تتخذ موقفاً ظاهره أنه محايد لكن باطنه رافض للحصار على قطر، وكذلك سلطنة عمان التي انتهجت مساراً أكثر وضوحاً وحدة وصل الي اتهام دولة الإمارات صراحة بزعزعة استقرارها وأنها ألقت القبض على خلية تعمل على قلب نظام الحكم في سلطنة عمان لصالح دولة الإمارات. وبناءاً علي هذا فإن ما ينشره الإعلام عن طرفي النزاع إلى مواطنيه ليس هو بالضرورة ما تقتنع به باقي دول العالم، وهذا ما يبرر اختلاف ردود الأفعال الدولية الرسمية عن ردود فعل كثير من الدول العربية، فرئيس غينيا الذي ترأس بلاده الاتحاد الإفريقي في هذه الدورة اتصل بقطر وأبلغها أنه مع الحل السلمي وأنه يرفض أي تدخل عسكري أو أي فرض للوصاية، وهو يعكس رد فعل الاتحاد الإفريقي المتوازن تجاه الأزمة علي عكس ما تطلبه الدول الأربع. ومنذ أيام قليلة زار وزير الخارجية الأمريكي قطر ووقع معها مذكرة تفاهم وأعلن في كلمته أن قطر أول من تجاوب مع متطلبات مكافحة الإرهاب، وفي ألمانيا قال وزير خارجيتها إن طلبات الدول الأربع مرفرضة بل ومستفزة، وعلى خطى ألمانيا كانت بريطانيا التي قال وزير خارجيتها بوريس جونسون إن بلاده لا ترغب بالتصعيد وأن الحصار غير مرحب به.
 
إذن نحن أمام خلاف غريب من نوعه فريد في معطياته يدافع كلاهما عن نفس الخطأ الذي يرتكبه الآخر، وما يجعلك تصل إلى درجة الأندهاش هو أن تهب بعض الدول العربية التي تعاني هي نفسها مشاكل اقتصادية مثل المغرب لنصرة قطر صاحبة أعلى متوسط دخل الفرد في العالم والذي يصل إلى 100 ألف دولار، وليس هذا فقط هو المثير للإندهاش.. إنما الأكثر غرابة هو أنك لن تجد دولة عربية واحدة هبت لنجدة اليمن حيث يعاني 17 مليون إنسان من الجوع والعطش. 

كل ما نراه الآن في هذه الأزمة عبثيا، لن يربح أي من أطرافه الصراع، الرابح الأكبر فيه هي ستكون هي الولايات المتحدة الأمريكية التي تناور بمكاسب ترامب الاقتصادية من الأزمة وبين رؤية الإدارة الامريكية الواقعية للإزمة. الرابح الثاني للأسف ستكون إيران، التي ستؤكد أنها دولة محورية في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، ثم تركيا التي ستكسب اقتصادياً من وجود قواتها علي الأراضي القطرية وسياسياً لأنها خلقت لها دوراً في منطقة كانت خارج طموحاتها السياسية، وأخيراً قد تكسب مصر مادياً إذا أحسنت التعامل مع هذا الملف لأنها في الحقيقة رأس حربة هذه المواجهة وهي الثقل الذي يعطي للدول الأربع الوزن السياسي والعسكري الذي يعمل له حساب من جانب قطر وداعميها. 

أما أكبر الخاسرين فهي الممكلة العربية السعودية أولاً، ثم منظومة دول مجلس التعاون الخليجي الذي أصبح وجودها في حكم الميت، أما آخر الخاسرين وأكبرهم فهو الصناديق السيادية لدول الخليج والتي تم ابتزازها ونهبها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت البداية في الاتفاق السعودي الأمريكي والذي يبلغ حوالي 450 مليار، وهو رقم يعادل تقريبا ثلث قيمة الصندوق السيادي للسعودية، مروراً بصفقات الأسلحة القطرية والإماراتية، ولن يتوقف هذا الصراع وهذا النزيف حتي يتم الاستيلاء على كامل الصناديق السيادية لدول الخليج لسداد الدين الداخلي للولايات المتحدة الأمريكية، وفي النهاية سوف تتسابق دول الخليج إلى القيادة الأمريكية مهللين بأن لهم السبق في أن ينفذ ترامب وعوده الانتخابية حتي ولو كان ذلك على حساب الصالح الجمعي للدول العربية.