كيف تأثرت اليابان بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق الإيراني؟

كيف تأثرت اليابان بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق الإيراني؟
كيف تأثرت اليابان بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق الإيراني؟

كتب الكاتب بيركشاير ميلر مقالًا بموقع «World Politics Review» يتناول فيه تداعيات قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني على اليابان، واستهل الكاتب مقاله قائلًا، أرسلت اليابان إلى الولايات المتحدة برقية تبدي فيها قلقها من التأثيرات المحتملة لقرار إدارة ترامب الشهر الماضي بالانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية.


وقد اعترف أحد المسؤولين اليابانيين مؤخرًا بقلق طوكيو من قطع واردات النفط الإيرانية، التي استؤنفت بعد توقيع الاتفاق النووي في عام 2015 ويبلغ مجموعها حاليًا حوالي 170 ألف برميل يوميًا، كما أشار مسؤول من وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية مؤخرًا إلى أن طوكيو تأمل في الحصول على إعفاء من العقوبات التي تستعد الولايات المتحدة لفرضها مرة أخرى على إيران.

اليابان محبطة من تعامل ترامب مع إيران
ونقل الكاتب عن مسؤول حكومي يدعى دايسوكي هيروتا قوله: «الشركات اليابانية لا تريد وقف الواردات فجأة». «إن الوضع في الحكومة الأمريكية يتغير بشكل كبير كل يوم، ونحن بحاجة إلى مواصلة الاحتفاظ بالواردات، وللحفاظ على الواردات من إيران، نحتاج إلى تبادل المعلومات مع الحكومة الأمريكية».

وقال الكاتب، هذا هو الصداع الأخير لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الذي شاهد، مثل غيره من القادة، نهاية محاولة التقرب من ترامب. ربما كان رئيس الوزراء الكندي جوستين ترودو هو الهدف الرئيسي لترامب في الشجار الأخير بقمة مجموعة الدول السبع، لكن «آبي» كان متقدم وفي وسط «صورة زعماء مجموعة السبع التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي» ويبدو أنها تجسد التوترات في الاجتماع، وبحسب الكاتب فقد عبر «آبي» بذراعيه ونظرته الساخطة على موقفه المشابه لبقية زعماء مجموعة السبع أثناء محاولتهم التفاهم مع الرئيس الأمريكي حول البيان المشترك.

ويرى الكاتب أن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، يجبر اليابان على التحول إلى الشرق الأوسط؛ لذلك تجول «آبي» في المنطقة في أوائل مايو (أيار)، فقد زار الإمارات العربية المتحدة والأردن وإسرائيل والضفة الغربية، ولكنه لم يذهب إلى المملكة العربية السعودية أو إيران، رغم أن البلدين كانا ضمن مسار الجولة.

ابتعد «آبي» عن كلا البلدين بسبب التوترات المحيطة بالقرار الأمريكي (الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران)، مع أن اليابان لم تكن طرفًا فيه إلا أنها أقرته منذ توقيعه. وبوصفها حليفًا رئيسًا للولايات المتحدة، يرى الكاتب أن اليابان تحتاج إلى موازنة علاقاتها مع واشنطن، إلى جانب رغبتها في الاستمرار بالاتفاق الإيراني.

عندما جرى إبرام الاتفاق الإيراني، كانت اليابان حريصة على استئناف تدفق واردات النفط من إيران التي قُيدت إلى حد كبير نتيجة العقوبات الدولية، والتي ساعدت على إجبار طهران للجلوس على طاولة المفاوضات. كانت طوكيو تتطلع إلى إحياء العلاقات، التي كانت تتمحور معظمها حول مسائل أمن الطاقة، وإحياء جهود الاستثمار السابقة في قطاع الطاقة الإيراني، فاليابان لا تزال تعتمد بشكل كبير على المصادر الأجنبية للنفط والغاز، وخاصة من الشرق الأوسط.

قبل فرض مجلس الأمن الدولي العقوبات على إيران في عام 2006، كانت إيران أحد مصادر اليابان الأساسية لواردات النفط، وقد كان من المقرر أن تستثمر في تطوير العديد من حقول النفط الإيرانية. حتى عندما كانت العقوبات سارية، ظلت الواردات اليابانية من النفط الخام الإيراني مرتفعة نسبيًا (أي ما يقرب من 12 % من إجمالي واردات اليابان من الطاقة) إلى أن زادت إدارة أوباما من الضغط على حلفائها من أجل الامتثال الصارم للعقوبات المفروضة على إيران في عام 2012. وفي ذلك الوقت، كانت طوكيو خامس أكبر دولة مستوردة للنفط الإيراني.

وأضاف الكاتب أنه تحت وطأة رفع العقوبات انخفضت صادرات النفط الإيراني إلى اليابان بأكثر من 60% في غضون عام. واليوم تمثل إيران حوالي 7% من إجمالي واردات اليابان من النفط الخام، وهي النسبة التي يمكن تحقيقها طبقًا للاتفاق النووي الإيراني. منذ رجوع إيران إلى سوق النفط الدولية، أصبحت اليابان سادس أكبر مستورد للنفط.

بشكل عام، كان رد طوكيو على انسحاب إدارة ترامب معتدلًا حتى الآن. يروي الكاتب، في مايو، أشار وزير الخارجية الياباني، تارو كونو، إلى أن الاتفاق «يساعد على تعزيز حظر انتشار السلاح النووي دوليًا ودعم الاستقرار في الشرق الأوسط»، لكنه ترك موقف اليابان تجاه المستقبل غامضًا.

من أين ستعوض اليابان النفط الإيراني؟
وفي ظل هذه الأجواء الضبابية، يسعى «آبي» إلى تعزيز مصالح اليابان الاقتصادية في أماكن أخرى بالشرق الأوسط، لتأمين مصادر إمداد آمنة لحماية وارداتها من الطاقة، خاصة من دول الخليج العربية الغنية بالنفط. وتعد الإمارات العربية المتحدة، المحطة الأولى لـ«آبي» في جولته الأخيرة، ثاني أكبر مورد للنفط في اليابان، بعد المملكة العربية السعودية، التي تمثل ربع واردات اليابان من النفط الخام. وتهدف طوكيو وأبوظبي إلى توسيع هذه العلاقة، وإقامة علاقات تجارية واستثمارية أوثق، حيث أبرمت اليابان اتفاقًا لفتح الأبواب أمام الشركات اليابانية متعددة الجنسيات لزيادة استثماراتها في الإمارات العربية المتحدة.

واختتم الكاتب مقاله قائلًا: «لا تزال علاقة اليابان بإيران في موقف صعب، وستحتاج إلى رسم مسار حذر يراعي المشاكل العالقة بين حليفها الرئيس: الولايات المتحدة، وبين إيران، والتي لا تقتصر على القضية النووية، ولكن عندما يتعلق الأمر بمسألة الأسلحة النووية يجب على اليابان، كمعارض قوي للانتشار النووي، أن تستمر في إصرارها على أن يظل سلوك إيران شفافًا ومتوافقًا مع الاتفاق النووي الإيراني»، بحسبه.

هذه الحساسيات السياسية، بالإضافة إلى الشكوك الاقتصادية التي تلوح في الأفق بفرض عقوبات أمريكية جديدة على إيران، ستُبقي علاقة طوكيو بطهران متواضعة على المدى القصير. وفي هذه الأثناء سيستمر «آبي» في المضي قدمًا وبناء علاقات أخرى في الشرق الأوسط، خاصة في الخليج؛ لحماية اليابان في هذه الأجواء الضبابية.