بقلم عبد الله الجنيد: زيتون عفرين

بقلم عبد الله الجنيد: زيتون عفرين
بقلم عبد الله الجنيد: زيتون عفرين

"لقد كنا هنا منذ ألف عام" ذلك ما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قُبيل انطلاق العمليات العسكرية المشتركة للقوات التركية في عفرين، مدعومة بفصائل سورية قوامها 20 ألف مقاتل تحمل اسم "الجيش السوري الحر"!!

عملية عفرين تمثل أهم قرارات أردوغان في الملف السوري منذ الانقلاب العسكري الفاشل، وما قاده لمثل هذه المغامرة  فشله في المناورة سياسيا بين الغرب والشرق لصالح الوسط (تركيا)، مما قد يكلفه الكثير تركيا، فهو يدرك أن سوريا ما بعد داعش ستتحدد ملامحها السياسية ميدانيا وليس في سوتشي أو جنيف.


والرئيس أردوغان يدرك كذلك أن عفرين قد تتحول إلى ورقة في يد الجيش التركي سياسيا، لذلك اختار أردوغان الفصائل السورية الموالية له لأنها قابلة للاستنفاد دون كلفة سياسية في حالة الفشل.

أما في حالة النجاح فأنه سيثبت للجيش قدرته على توظيف أكثر من أداة في تحقيق أهدافه السياسية الخارجية، وفي نفس الوقت يطمح أن يقبل الأمريكان بالنسخة التركية من "الجيش الحر" كقوة موازيةً لسوريا الديمقراطية. 

"غصن الزيتون" لن تعوض تركيا عن فشلها في درع الفرات بعد أن قررت واشنطن تحجيم أي قيمة سياسية للوجود التركي شرقي الفرات، لكنها قد تقبل بمنطقة آمنة في غرب الفرات بمساحة تبلغ نحو 3850 كم هي عفرين، أي ما يعادل 2 بالمئة من مساحة سوريا تمثل الشريط الحدودي المشترك، لكن واشنطن لن تقبل بتواجد دائم لتركيا في شرق وشمال الفرات لتعارض ذلك وأمن قواتها هناك.

واشنطن وموسكو قد تتوافقان على مخرج سياسي يوفق بين جنيف وسوتشي من حيث مستقبل سوريا إطاريا، لكن يتوجب على باقي الأطراف ضمان مصالحها في سوريا بشكل مستقل.

فموسكو تدرك أن النظام في دمشق وإيران لن يستطيعا الاحتفاظ بالأرض في بادية الشام إلى أمد غير مسمى لتأمين أوتوستراد طهران بيروت. وروسيا لن تستطيع توفير دعم عسكري دائم، خصوصا أن قواعد الاشتباك قد تغيرت منذ استهداف الولايات المتحدة لقوات روسية غير نظامية وتعهدها بإنشاء قوة قوامها 30 ألفا لحماية الحدود الشرقية لسوريا. كذلك لتطور الكفاءة القتالية والإدارة المدنية لقوات سوريا الديمقراطية في شرق وشمال الفرات، حيث باتت الآن قادرة على مواجهة كافة الاحتمالات.

إنشاء الحدود ومناطق النفوذ باستخدام الفرات أمر لن يخدم تحقيق الاستقرار المستدام في سوريا، وتمثل ثروات الشمال والشرق السوري أهم ركائز إعادة الإعمار ضمن دولة موحدة.

لذلك سوف يترك للرئيس أردوغان تأمين حدوده الجنوبية غربا حتى "القضاء على آخر كردي في عفرين"، حسب وصفه، لكنه يواجه الآن مليشيات إيرانية ستحظى بغطاء جوي عاجلا أم آجلا. فهل سيغامر باستفزاز إيران والأمريكان في آن واحد، أو ربما قد تتحول عفرين لساحة استنزاف لكل من تركيا وإيران في آن واحد.

أما منبج فتمثل نقطة ارتكاز التواجد الأميركي في الشمال السوري ومجموعة قواعدها الجوية التي أعادت تأهيلها تؤكد بقاء هذه القوات طويلا أو ربما بشكل شبه دائم في سوريا حتى بعد انتهاء الأعمال العسكرية فيه، و ذلك لضمان استقرار سوريا حسب قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزيف فوتيل.

ربما كان من الواجب على الرئيس أردوغان وضع فرضيات أخرى ضمن منظور العوامل المؤثرة على نتائج العملية العسكرية في عفرين قد يكون أحدها التحولات الممكنة في ولاءات قادة الفصائل السورية. عندها سوف تتحول عفرين لمقبرة أردوغان سياسيا بعد أن دمر إرث المؤسسة العسكرية وهيبتها في الداخل والخارج، هذا بالإضافة إلى تحجيم دور تركيا في المعادلة السياسية شرق أوسطيا.