2018 .. هل يصبح عام اعتلاء "الإسكندر الأكبر" لعرش السعودية؟
كان محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، مجرد أمير من أحفاد الملك المؤسس للمملكة العربية السعودية، قبل أن يبتسم له الحظ بصورة درامية، وينقله بين ليلةٍ وضحاها من كونه أميرًا عاديًا في شجرة العائلة المالكة، إلى مقعد المرشح الذي يبتعد بخطوات قليلة جدًا عن عرش المملكة، وهو ما كان حلمًا بعيد المنال حتى وقت قريب.
الأمير الشاب الذي يرى في الفاتح المقدوني، الإسكندر الأكبر، الذي حكم العالم في سن صغيرة نيابة عن أبيه، وانتصر في معاركه الحربية، ووسع رقعة مُلكه ونفوذه وحارب التوسع الفارسي، مُلهمًا له، ويُحب أن يناديه المقربون منه بالإسكندر الأكبر، استطاع أن يصل إلى هرم القيادة في المملكة العربية السعودية في وقتٍ قصير جدًا بالارتكان لمنصب أبيه العاهل السعودي. فأصبح بعد تنصيب أبيه بوقت قصير وليًا لولي العهد ووزيرًا للدفاع، بالإضافة لشغله منصب مستشار خاص للملك، ورئيس للديوان الملكي.
أصبح محمد بن سلمان، بحسب قول المقربين من العائلة المالكة السعودية، الحاكم الفعلي للبلاد، فهو صاحب فكرة حرب اليمن، وهو من أطلق عليها اسم «عاصفة الحزم»، في محاولة لمحاكاة المعارك الحربية التي خاضها ملهمه الشخصي: الإسكندر الأكبر، وأطلق رؤية 2030 الاقتصادية، ونادى بحقبة ما بعد النفط، وقرر محاصرة قطر بالاتفاق مع ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، وهيمن على جميع مراكز القوى، بدءًا من وزارة الدفاع إلى البنك المركزي، وشركة «أرامكو» العملاقة للنفط التي تقوم بتمويل البلاد، وأعلن عن خطط جذرية لبيع شركات الدولة، وخفض المدفوعات العامة، وقام بتصعيد الصراع الإقليمي ضد إيران.
الطريق إلى العرش يبدأ من إمارة الرياض
تخرّج الأمير الصغير المولود في أغسطس (آب) عام 1985، والمتزوج من ابنة عمه الأميرة سارة بنت مشهور بن عبد العزيز، من كلية القانون، جامعة الملك سعود، عام 2007، وعُين آنذاك مستشارًا متفرغًا بهيئة الخبراء بمجلس الوزراء السعودي، وفي ديسمبر (كانون الثاني) 2009 انتقل من هيئة الخبراء بمجلس الوزراء إلى إمارة منطقة الرياض؛ ليُصبح مستشارًا خاصًا لوالده أمير منطقة الرياض، مع استمراره في العمل مستشارًا غير متفرغ في هيئة الخبراء حتى مارس (أذار) 2013.
بعد ذلك ومع ابتسامة الحظ الأولى بتقلد أبيه مناصب ولي العهد، ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، انتقل الأمير الشاب للعمل مستشارًا خاصًا، ومشرفًا على المكتب والشؤون الخاصة، ليقطع في خطوة واحدة فرسخًا من المسافة التي كانت تبعده عن العرش صعب المنال.
منذ ذلك الحين، بدأ الأمير الشاب في ارتقاء درجات السلم التي تقربه من العرش السعودي بخطوات متعجلة ومتلاحقة؛ ففي أبريل (نيسان) 2014، صدر أمر ملكي بتعيينه وزيرًا للدولة، وعضوًا بمجلس الوزراء السعودي، بالإضافة إلى عمله، وفي يناير (كانون الثاني) 2015؛ صدر أمر ملكي بتعيينه وزيرًا للدفاع؛ ليُصبح ثاني أصغر وزير دفاع سعودي، يتقلد هذا المنصب في تاريخ المملكة، بعدما سبقه عمه الأمير منصور بن عبد العزيز، الذي تقلد وزارة الدفاع وهو دون الثلاثين، ثم صدر أمر ملكي آخر بتعيين محمد بن سلمان رئيسًا للديوان الملكي، ومستشارًا خاصًا لوالده الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بمرتبة وزير.
في أبريل 2015؛ تمكن الأمير الشاب من وضع قدمه على سلم العرش، بعدما صدر أمر ملكي بإعفاء ولي العهد الأمير، مقرن بن عبد العزيز، من منصبه، وتنصيب الأمير محمد بن نايف وليًا للعهد، وتعيين محمد بن سلمان وليًا له، قبل أن يتمكن الأمير الصغير من إزاحة الأمير محمد بن نايف في يونيو (حزيران) الماضي، ويُصبح وليًا للعرش، الذي بات على بعد خطوة واحدة منه.
الملوك لا ينسون ثأرهم
عندما وافت المنية الملك عبد الله بن عبد العزيز في يناير 2015، ورثه أخواه، الملك سلمان والأمير مقرن، ليكونا آخر أبناء الملك المؤسس في اعتلاء العرش، ويجيء دور الأحفاد من بعدهما، إلا أن الملك سلمان بن عبد العزيز؛ قرر أن يطيح بأخيه غير الشقيق، ويقفز إلى جيل الأحفاد مباشرة، بعدما ابتسم له الحظ ومكنّه من أن يُصبح لاعبًا رئيسًا في حلبة صراع العروش، ليُحقق ما سبق وأن خطط له رئيس الديوان الملكي، وأمين هيئة البيعة في عهد الملك عبد الله، «خالد التويجري»، من ضرورة تنحية الأمير سلمان بدعوى كِبره في السن، واحتمالية عدم تمكنه من القيام بمهامه على أكمل وجه، وتصعيد الأمير مقرن، والأمير الحفيد متعب بن عبد الله وليًّا لولي العهد أثناء حكم أبيه الملك، لكن القدر قرر قلب كل الموازين وإفشال الخطط، وعاجل الملك عبد الله بالموت قبل إنفاذ مخطط خالد التويجري، وذهب المُلك لسلمان العجوز، الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الخروج من اللعبة.
ولأن الملوك لا تنسى ثأرها، فقد عاجل الملك سلمان خالد التويجري بالإطاحة به بعد سويعات من وفاة الملك عبد الله، وقبل أن تُقر البيعة رسميًا للملك الجديد. ثم جاء ارتقاء الأحفاد لسلم العرش، عبر تعيين الأمير محمد بن نايف وليًا للعهد، ومن خلفه الأمير الشاب وليًا لولي العهد، على افتراض أن ابن نايف سيكون أول الأحفاد الملوك، قبل أن يقرر ابن سلمان أمرًا آخر.
الصعود نحو العرش
في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الجاري، أصدر العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبد العزيز»، حزمة أوامر ملكية، من بينها تشكيل لجنة لـ«حصر الجرائم والمخالفات في قضايا الفساد بالمال العام» برئاسة ابنه ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، وإعفاء الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز وزير الحرس الوطني من منصبه، وتوقيفه بتهم اختلاسات وصفقات وهمية وترسية عقود على شركات تابعة له، إضافة إلى صفقات سلاح في وزارته، قبل أن يتم إخلاء سبيله بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من اعتقاله، دون توجيه اتهامات له، بعد أنباء عن الوصول لتسوية مالية معه.
وكانت وكالة بلومبرج الأمريكية، قد عقّبت على التغيرات الدرامية التي حدثت في المملكة العربية السعودية آنذاك، في مقال بعنوان: «حملة تطهير غير مسبوقة تطول الأمراء الكبار في المملكة» قائلة: إن «الملك سلمان قد قام بتهميش جميع كبار الأعضاء في العائلة المالكة لمنع أية معارضة متوقعة لولي العهد الأمير محمد (32 عامًا) الذي حلّ محلّ ابن عمه الأكبر «محمد بن نايف» في يونيو الماضي، وأن هذه التصعيدات تمنح ولي العهد تمكينًا أكبر للصلاحيات والنفوذ.
وقال «فرانك جاردنر»، مراسل «بي بي سي» للشؤون الأمنية: إن ما حدث خطوة جريئة تم التخطيط لها مسبقًا، من أجل إزالة العقبات النهائية أمام سيطرة ولي العهد على مخرجات الأمور في المملكة السعودية، وإرساء شعبيته بين العديد من الشباب السعودي الذين يرون في تحركاته السريعة خطوات جدية نحو اجتثاث الفساد، وتحديث وإصلاح المملكة، بعد عقود من حكم كبار السن الجامد للبلاد.
هل يعتلي الإسكندر الأكبر عرش المملكة في 2018؟
بعد إعفاء الأمير محمد بن نايف من منصبه، تواترت بعض الأنباء والشائعات، التي تدور حول قرب تنحي الملك من منصبه بدعوى ظروف صحية، وتولي الأمير محمد بن سلمان – الذي يُشاع أنه يطلق على نفسه لقب «الإسكندر الأكبر» – لمقاليد الحكم، وكان الباحث سايمون هندرسون قد ذكر في مقال له نشره معهد واشنطن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، السيناريوهات المحتملة لاعتلاء محمد بن سلمان العرش.
توقع هندرسون في السيناريو الأول – غير المحبب في المملكة بحسب هندرسون – أن يتخلى الملك عن السلطة، ويتنازل لابنه ولي العهد عن المُلك، وذكر في السيناريو الثاني إمكانية تخلي الملك سلمان عن العرش مع احتفاظه بلقب خادم الحرمين الشريفين، أما السيناريو الثالث، فيتلخص في تعيين الأمير الشاب في منصب رئيس الوزراء، الذي يشغله الملك سلمان، أو أن يصبح ولي العهد وصيًّا على العرش في السيناريو الرابع المحتمل، أو أن تتم مبايعة الأمير محمد ملكًا للبلاد بعد وفاة الملك سلمان.
فيما تداول حساب المغرد السعودي الشهير «مجتهد» شائعة قرب تنحي الملك سلمان عن العرش لولي عهده عدة مرات خلال الشهور الخمسة الأخيرة، آخرها في نوفمبر الماضي بعد ليلة السكاكين الطويلة التي أطاحت بباقي المعارضة في العائلة المالكة.
وكان البيت الأبيض قد أعلن في بيانٍ له، أصدره في سبتمبر (أيلول) الماضي، أنه قد وجه الدعوة للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع العام الجديد، ولم يذكر البيان أية تفاصيل أخرى، سوى أن العاهل السعودي قد وافق على الزيارة.
وأصدر مكتب رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي يوم الأربعاء 19 ديسمبر (كانون الأول) بيانًا يُعلن عن زيارة مرتقبة للأمير محمد بن سلمان، بصفته وليًا للعهد؛ مما يجعل خطوة اعتلاء الإسكندر الأكبر للعرش السعودي مؤجلة لما بعد الربع الأول من العام الجديد على الأرجح.
وبسؤال أحد النشطاء داخل المملكة، والذي رفض ذكر اسمه في التقرير، عن الأحاديث حول قرب اعتلاء ولي العهد للعرش، وجس نبض الشارع السعودي، أكد الناشط : «أن لا أحد يستطيع الجزم بأمرٍ كهذا، فالأمير الشاب متقلب ولا يمكن التكهن بقراراته، فبعد تجريمه لحزب الإصلاح اليمني، عاد وقرر احتضانهم مؤخرًا بعد فشل صفقة صالح». ثم أضاف الناشط: «أن ابن سلمان لديه استعداد لتغيير جلده، مليون مرة في اليوم، وأنه على عكس محمد بن نايف وغيره من أعضاء الأسرة المالكة، الذين كانوا مقروئين ويسهل التنبؤ بخطواتهم»، وأوضح المصدر أن البعض يتوقع عدم اعتلاء الإسكندر الأكبر قريبًا للعرش، أو في حياة والده؛ لأنه بالفعل يتحكم في كل شيء، ويحكم المملكة دون اللقب الرسمي، فلماذا يغامر بإثارة القلاقل حوله؟