139 عاماً .. حكاية قطر من التأسيس إلى تحدي الحصار

تقاتل دولة قطر بسلاحها الاقتصادي وحضورها السياسي في معركة البقاء على الساحة العربية والدولية، منذ أن كُتب لها الوجود في شبه الجزيرة العربية.
فقبل ما يقرب من 50 ألف سنة، بدأ أول وجود بشري على الأرض التي عُرفت فيما بعد باسم دولة قطر، وحسب أبحاث فإنّها تأثّرت بحضارة "دلمون" التي قامت في البحرين بين 4000 - 2000 ق.م، وكانت أراضيها تُستخدَم بشكل شبه دائم كمراعٍ للقبائل الرُحّل من منطقتي نجد والأحساء في السعودية.
وقبل تأسيسها، استُخدمت أراضي قطر كمكان لإقامة مخيمات موسمية تقوم حول مصادر المياه، كما أُقيمَت مستوطنات لصيد الأسماك واللؤلؤ على تلك الأجزاء من الساحل قرب بئر رئيسية هناك، وفي أواخر القرن الـ 18 الميلادي، بدأت تتشكّل المدن الرئيسية على الساحل الشرقي، والتي نشأت الدوحة الحديثة بالقرب منها.
- كيف نشأت قطر؟
بدأت دولة قطر في التشكّل بداية القرن التاسع عشر، حينما نزح عدد من القبائل العربية إلى منطقة الساحل الشرقي للخليج العربي، الذي كان يعرف بساحل عمان، ومنها قبيلة آل ثاني، التي نزلت الدوحة في ظروف قاسية شديدة الاضطراب.
وقد نشأت الدوحة في أواخر القرن التاسع عشر من رحم بلدة قديمة كانت تُسمّى "البِدع"، وقبل ظهور البِدع كانت "الزُّبارة" هي المدينة الأهم في شبه الجزيرة القطرية، وكانت بفضل موقعها على الساحل الشمالي الغربي من أهم مراكز التجارة في الخليج في القرن الثامن عشر.
في تلك الفترة ساءت الأمور بين قطر حديثة الولادة وبين البحرين، ووقعت معارك برية وبحرية تولّى قيادتها الشيخ محمد بن ثاني، وابنه الشيخ جاسم، وتمكّن من توحيد تلك القبائل القطرية آنذاك، واستطاع من خلالها مواجهة خصومه من آل خليفة، وألحق بهم هزيمة في مدينة الوكرة عام 1868.
- قطر الحديثة
بعدها بعشر سنوات توفّي الشيخ محمد تاركاً الولاية لابنه (مؤسّس قطر الحديثة)، والذي أكمل مسيرة والده في جعل قطر محميّة عثمانية لضمان وجود قوة مسلّحة دائمة في دولة حديثة التأسيس، كما استطاع توحيد القبائل التي أصبحت ثريّة نتيجة تجارة اللؤلؤ.
وهنا بدأت مرحلة من التنافس البريطاني - العثماني حول قطر، أُثيرت خلالها مشكلة "العُديد"، التي أيّدت فيها بريطانيا ادعاءات أبوظبي في امتلاكها، حتى تمنع امتداد النفوذ العثماني، وكذلك أُثيرت مشكلة "الزُّبارة"، التي تصدّت فيها السلطات البريطانية لمحاولات العثمانيين إعمارها وبناء مينائها.
وفي السنوات التي تلت ذلك تأرجحت قطر بين قبول الحكم البريطاني أو العثماني، وفي عام 1916، عقب انهيار الإمبراطورية العثمانية، وقّعت بريطانيا معاهدة رسمية مع قطر أصبحت بموجبها الأخيرة محميّة بريطانية.
وبالعودة إلى الوراء، فإن قطر الحديثة تأسّست على يد الشيخ جاسم (1826-1913)، في 18 ديسمبر سنة 1878، الذي أصبحت البلاد في ظل زعامته كياناً عضوياً واحداً متماسكاً وبلداً موحّداً مستقلاً، وبات القطريون يحتفلون بهذا التاريخ كيوم وطني كل عام.
وفي سيرة المؤسس يتّضح أنه قائد قبلي خليجي كبير، امتاز بالحكمة والحنكة، وحاز "كاريزما" أهّلته في مطلع شبابه لجمع القبائل حوله، فوحَّدها تحت راية واحدة حكم فيها بسيرة المصلحين من سلف الأمة، وما زالت إلى اليوم تسير على النهج ذاته بعد قرن من رحيله.
وبعد وفاة الشيخ جاسم بن محمد، تولّى حكم قطر ابنه الشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني، الذي وقّع بعد ثلاث سنوات من حكمه معاهدة مع بريطانيا لإدخال قطر تحت نظامها المعروف باسم "إدارة الإمارات المتصالحة".
في اليوم الثالث من سبتمبر من عام 1971، تم إنهاء العلاقات التعاهدية مع بريطانيا، وإلغاء المعاهدة التي كان الشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني قد وقّعها مع بريطانيا في عام 1916، فأصبحت قطر دولة مستقلّة ذات سيادة كاملة، وانضمّت إلى جامعة الدول العربية والأمم المتحدة.
- الدولة المعاصرة
استمرّ البناء في الدولة الحديثة وصولاً إلى جعلها معاصرة عندما تقلّد الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني حكم البلاد، في 22 فبراير 1972، وكان أول إجراء له تعيين وزير للخارجية ومستشار للأمير، ليدشن بذلك مرحلة جديدة من التنظيم الحكومي والإداري.
في يونيو 1995، خرجت الوردة من أكمتها بتولّي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد الحكم في البلاد، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من تاريخ قطر المعاصر، وحققت البلاد إنجازات مشرقة في مسيرة التنمية والبناء الشامل في كافة مناحي الحياة، ضمن منظومة التحديث.
عقب تلك الفترة استطاعت قطر أن تحجز لنفسها مكاناً قوياً منافساً مع الدول الخليجية بشكل خاصّ والمنطقة العالمية عموماً، على أصعد مختلفة؛ بدءاً من الاقتصاد، مروراً بالإعلام، وليس انتهاء بالتأثير في نهوض دول العالم الثالث؛ عبر مشاريع تنموية خيرية.
ازدادت القوة الاقتصادية القطرية لكون الدوحة واحدة من الدول التي تعتبر النفط والغاز الطبيعي من أهم الموارد الأساسية، إذ يبلغ إنتاج قطر من النفط مليون برميل يومياً، وتصدّر سنوياً من الغاز الطبيعي المسال 77 مليون طن، في حين تسعى لزيادة إنتاجها النفطي إلى مليون برميل يومياً.
وفي 25 يونيو 2013، تولّى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مقاليد الحكم في البلاد، بعد تنازل الأمير الوالد، في خطوة اعتبرها كثيرون سابقة في المنطقة العربية وفي العالم كله؛ أن يكون أحد الحكام في أوج أدائه وعظمة نجاحه وإنجازاته ويتنازل عن السلطة بهذه الكيفية.
هذه المبادرة في نقل السلطة إلى الشيخ تميم بهذا الأسلوب كانت "علامة فاصلة" في تاريخ إدارة الحكم في العالم العربي بأسلوب حضاري، على عكس الأسلوب التقليدي الذي لا يحترم إرادة الشعوب.
- حصار السيادة
ظلّت الدولة القطرية تزاحم على الحضور في الساحة العربية والدولية، وحرصت على البقاء في سوق المنافسة على الوجود، وهو ما لم يَرُقْ لبعض الدول الخليجية المجاورة، فكان لا بد لهم من فرض الحصار على قطر، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، بزعم "دعم الإرهاب".
وفي ليلة ظلماء، أفاق الخليجيون على نبأ اختراق وكالة الأنباء القطرية (قنا)، وبث شائعات وتصريحات مزعومة للأمير الشيخ تميم، دعت دول السعودية والإمارات والبحرين ومصر إلى مقاطعة قطر وفرض الحصار عليها، لكن الدوحة نفت بشكل قاطع ما ورد على الوكالة.
وأكّد الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني، مدير مكتب الاتصال الحكومي، أن "موقع الوكالة القطرية تم اختراقه من قِبل جهة غير معروفة إلى الآن، وتم الإدلاء بتصريح مغلوط لحضرة صاحب السمو (الشيخ تميم) بعد حضوره تخريج الدفعة الثامنة للخدمة الوطنية".
ونفت قطر، وما زالت تنفي، مزاعم دول الحصار، وقالت: "إنها تواجه حملة لفرض السيطرة على قرارها السيادي"، وهو ما ظهر من خلال قائمة الشروط التي وضعتها الرباعية العربية لرفع الحصار، وكان أبرزها إغلاق القاعدة العسكرية التركية، وإغلاق قناة الجزيرة في الدوحة.
هذا الحصار الجائر على قطر، والذي استنكرته دول عربية وغربية ومؤسسات حقوقية دولي، يسهم في تبلور هوية وطنية قطرية محلية متمايزة عن الهوية الخليجية، لكن على الرغم من ذلك فإن الدوحة لا تزال تنافس من أجل البقاء بقوة، وكسر الحصار.
فقد تمكّنت قطر، خلال الأشهر الستة الماضية، من تحقيق تقدّم في معدّل الاكتفاء الذاتي وتطوير صناعتها المحلية بنسب جيدة، في محاولة جادة لتحقيق طموحاتها الاقتصادية وتعزيز نموّها وتوسيع مصادر مواردها، خاصة الغذائية منها.
وحددت الدوحة 2018 موعداً لتحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاعات واسعة من الصناعات، خاصة الغذائية والدوائية. ووضعت خطة كاملة في موازنتها للسنة المقبلة لدعم الصناعات المحلية والقطاع الخاص.