المصالحة الخليجية تقترب .. فهل قدَّمت قطر التنازلات؟

المصالحة الخليجية تقترب .. فهل قدَّمت قطر التنازلات؟
المصالحة الخليجية تقترب .. فهل قدَّمت قطر التنازلات؟

تدخل الأزمة الخليجية التي نشبت بين قطر، والرباعي العربي الذي يتمثل في مصر والسعودية والبحرين والإمارات فصولها الأخيرة، في أعقاب تصريحات كويتية رسمية توضح أن الانفراجة في الأزمة التي تدخل الشهر السابع لها، باتت وشيكة. عزز من ذلك الدعوة الكويتية الرسمية إلى قطر لحضور قمة الخليج التي تُقام على أراضيها، وبحضور دول المقاطعة، بعد زياراتٍ ووساطاتٍ كويتيَّة على مدار الشهرين الأخيرين. يرسم التقرير صورة كاملة لهذه الوساطات التي أفضت إلى الانفراجة، وهل نجح الرباعي العربي في إلزام قطر بشروطه التي قدمها في بداية الأزمة.


متى بدأت الانفراجة الحقيقية في الأزمة الخليجية؟ وكيف؟
قبل أربعة أشهر، ساد صمت مُطبق من كافة أطراف الأزمة الخليجية، وخرجت تصريحات «رسمية» من مسؤولي تلك الدول اتسمت بلغة هادئة، وغابت عنها المفردات التصعيدية، وتسريب معلومات الاجتماعات، والوثائق والمكالمات المُسجلة، التي كانت حاضرة في الجولة الأولى من الوساطة الكويتية لهذه الأزمة التي تدخل شهرها السابع. كما التزم الجميع عدم الإفصاح عن تفاصيل هذه المفاوضات التي لا تزال الكويت تواصل إتمامها، وأبدى الجميع أمله في الوصول إلى صيغة تحفظ أمن الخليج، ووحدة أعضاء مجلس التعاون. تزامن هذا الصمت المُطبق مع جولات مكوكية لمسئولي هذه الدول، وتحركات جديدة مُعلنة من وزير الخارجية الكويتي بين هذه الدول، وسط تكتم حذر عن تسريب معلومات أو تسريبات لهذه الاجتماعات.

كسر أحمد الجار الله، رئيس تحرير جريدة «السياسة الكويتية» هذا الصمت المُطبق عن تفاصيل المفاوضات في مداخلة تليفزيونية، وأكد أن قطر متجاوبة مع مطالب الدول العربية الأربعة، الذي يقابله بالتبعية قبول من الدول الأربعة. الفارق الزمني بين بدء الجولة الثانية من المفاوضات، وتصريح الجار الله، والفترة الزمنية التي تلت هذا التصريح، يبدو أنها أفضت لحلحلة موقف كلا طرفي الصراع في الأزمة. ساهم في ذلك تحركات مكوكية لوزير الخارجية الكويتي وحاكمها، وسط تكتم من كافة أطراف الأزمة عن شروط الجولة الثانية من الحوار.

بدأت نتائج الجولة الثانية من المفاوضات بزيارة وزير الخارجية الكويتية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قصر الاتحادية بالقاهرة، في مستهل زيارته لمصر، وذلك في 17 يوليو (تموز)، لتسليمه رسالة من أمير الكويت. بعدها، استقبل أمير قطر وزير الخارجية الكويتي، في 19 أكتوبر (تشرين الأول)، لاستئناف جهود الوساطة في الأزمة الخليجية.

تقاطعت هذه التحركات مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الدوحة، في 15 نوفمبر (تشرين الثاني)، ولقائه بأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وزيارة القاعدة العسكرية التركية، ما يُشير إلى الحضور التركي الفاعل في الوساطة؛ إذ إن هذه الزيارة التي تزامنت مع نشاط الوساطة التركية، تؤكِّد بما لايدع مجالًا للشكّ، أنّ الاستجابة القطرية لن تكون بمعزل عن توافق تركي.

وفي الثالث عشر من شهر نوفمبر، التقى السفير سامح شكري وزير الخارجية، بأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، لتسليمه رسالة من الرئيس عبدالفتاح السيسي، تتعلَّق بأوضاع المنطقة. بعد 10 أيام من هذا اللقاء، وتحديدًا في 23 نوفمبر، تحرك وزير الخارجية الكويتي للقاء الملك سلمان في قصر اليمامة بالعاصمة السعودية الرياض، في زيارة لم يعلن عنها مُسبقًا.

ويبدو أن آخر فصل لاستكمال هذه المفاوضات كانت في زيارة شقيق أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للكويت، وتسليمهم رسالة من أمير قطر لحكَّام الكويت. وبعد يومين من استقبال أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، شقيق أمير قطر، الشيخ تميم، عاد وزير الخارجية الكويتية إلى العاصمة السعودية، والتقى بالملك سلمان، وتم تسليمه رسالة خطية من أمير الكويت للسعودية.

لا تنفصل تتابع هذه الزيارات في فترة زمنية واحدة عن بعضها البعض، أو عن محاولة إيجاد صيغة وترتيب أمر ما لمصالحة خليجية في قمة الكويت المُقبلة خلال الشهر الجاري، وعلى ما يبدو فإن هذه الصيغة جرى التوصل إليها، بتصريحات ودلائل تخللت هذه الفترة، خصوصًا أن دعوة الكويت إلى قطر رسميًّا لحضور القمة الخليجية وصلت بعد آخر زيارة من جانب وزير الخارجية الكويتي للسعودية، في 30 نوفمبر، وهو ما يُشير إلى قبول سعودي رسمي بحضور قطر.

شواهد المصالحة الخليجية .. قطر تحضر القمة الخليجية وتهدئة سعودية
يوجد أكثر من مؤشر على نجاح جولة المفاوضات الثانية، التي باشرت فيها الكويت أدوار الوساطة، كان أهمها تخفيض حدة التصريحات من طرفي الأزمة، وبالتبعية وسائل الإعلام المملوكة لهما. بدأت قطر هذا الأمر بتقليل نسبة التقارير التي تتناول الشأن المصري، وذلك من واقع مُتابعة مُحرر «ساسة بوست» لقناة الجزيرة الفضائية، وعدد من المواقع التي طالبت الدول الرباعية بإغلاقها، متزامنًا ذلك مع تصريحات رسمية تُثمن من الدور المصري في الشرق الأوسط، وتدعم السلطة المصرية في أزماتها تجاه مكافحة الإرهاب.

ففي مؤتمر صحافي بالعاصمة الأمريكية، في 20 نوفمبر الماضي، قال وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، «إنه من مصلحة الدوحة أن تبقى مصر آمنة ومستقرة، وأن سلطات بلاده تعتبرها دولة مركزية مهمة، مؤكدًا أن توتر العلاقات مع القاهرة لا تتحمل قطر المسؤولية عنه».

وعبر لقاء تليفزيوني مع تلفزيون قطر الرسمي، قال وزير الدفاع القطري خالد العطية، قبل المؤتمر السابق بيومٍ: «إننا نعلم قيمة مصر… ويجب أن تكون قوية رضي من رضي وأبى من أبى»، موضحًا أن «كلما بنينا جسورًا للتقارب (مع مصر) يتدخل طرف آخر لإفساد ذلك، بسبب وجود أجندات خاصة»، وأكد أن تمسك الدوحة المستمر بالتزاماتها تجاه القاهرة لم يتأثر.

وعلى خلاف تعليقات قطر الرسمية على المناسبات السعيدة والحزينة في مصر، من بعد الأزمة الخليجية، التي توجه بها أمير قطر ووزارة الخارجية القطرية إلى الشعب وليس إلى السلطات المصرية، جاءت برقية تعزية الشيخ تميم في حادث مسجد الروضة بشمال سيناء، قبل أسبوع، موجهة إلى «السيسي»، والتي «أعرب فيها عن تعازيه في ضحايا التفجير الإرهابي الذي استهدف مسجدًا بسيناء».

تتأكد هذه الانفراجة، مع ما ذكره أحمد الجار الله، رئيس تحرير السياسة الكويتية، والمُقرب من الأوساط الكويتية الرسمية، من جديد، في 23 نوفمبر، قائلًا: «إن الأزمة الخليجية تتجه نحو الانفراج، ومجلس التعاون الخليجي سيعقد الشهر المقبل بحضور قطر»، وأوضح خلال مرافقته للوفد الكويتي من العاصمة السعودية، أن هناك بوادر انفراجة في الأزمة الخليجية.

وتأكد حديث الجار الله بشكل رسمي، بعدما تسلم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني دعوة رسمية للمشاركة في اجتماعات مجلس التعاون لدول الخليج العربية المقرر انعقادها في الكويت يومي الخامس والسادس من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

وفي مقابلة جمعت وزير الخارجية السعودي مع رؤساء تحرير الصحف المصرية في 19 نوفمبر الجاري، بدا عادل الجبير، تصالحيًا تجاه الجلوس على مائدة التفاوض مع قطر لحل الأزمة الخليجية، على خلاف المرات السابقة، وأكد أن «قطر نفذت شروطًا مهمة طُلبت منها»، بينما «لدينا ستة مطالب أساسية، ورغم خطاب القطريين والصوت العالي، إلا أنهم استجابوا لمطالب لنا مثل توقيع اتفاقية مكافحة الإرهاب مع أمريكا، والتخلي عن حماس من أجل إتمام الجهود المصرية في نجاح المصالحة».

لا تنفصل جهود الوساطة عن المكالمة الهاتفية التي تلقاها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، من وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، في 20 نوفمبر، والتي جاءت عقب لقاء جمع تيلرسون بنظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في واشنطن، حيث بحثا التطورات الأخيرة وسبل حل الأزمة الخليجية.

دعم هذه التكهنات بشأن الانفراجة القريبة ما ذكره سفير الكويت لدى مملكة البحرين، الشيخ عزام الصباح، في تصريحات نقلتها عنه جريدة «الرأي» الكويتية، في 23 نوفمبر، قال فيها «إن الأيام المقبلة ستشهد تطورات إيجابية على مستوى المنطقة، تكون مقدمة لحدوث انفراج في الأزمة الخليجية». وأكد أنّ «هذه التطورات ستساعد في عودة الأمور إلى طبيعتها».

فهل وافقت قطر على كل مطالب الدول الأربعة؟
في بداية الأزمة الخليجية، سلمت الدول الأربعة قائمة من 13 مطلبًا إلى قطر عن طريق الكويت، أكدت من خلالها الدول الأربعة أن تلبية المطالب كاملة هو المخرج الوحيد للأزمة الحالية خلال مهلة زمنية حددتها بـ10 أيام. وتضمَّنت أبرز هذه المطالب إغلاق قناة الجزيرة الفضائية، وكافة وسائل الإعلام التي تدعمها قطر بشكل مُباشر وغير مُباشر، والتعويض عن الضحايا والخسائر لكافة الدول الأربعة بسبب السياسة القطرية خلال السنوات السابقة، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية، وأكثر من أربعة بنود لها صلة بتمويل قطر للإرهاب.

لم توافق قطر على قائمة المطالب، وتمسكت بموقفها الرافض لأي مطلب له علاقة بسيادة أراضيها، ودعم هذا الموقف عدد من الدول الغربية على رأسها أمريكا وبريطانيا وألمانيا. وأعلن أمير الكويت، آنذاك، فشله في الوصول إلى تسوية بين الدول الخليجية.

ساهم الموقف الأمريكي متزامنًا مع الدعم الغربي، والتحركات الدبلوماسية القطرية الفاعلة خلال أشهر الأزمة، في الضغط على الدول الأربعة لتخفيف قائمة المطالب، وهو ما نجحت خلاله قطر، وخلُصت القائمة الطويلة إلى ستة مطالب فقط، تضمنت أغلبها مطالب لها علاقة «بتمويل قطر للإرهاب»، حسبما أعلن مندوبو الدول الأربعة في مؤتمر صحافي خلال انعقاد جلسات الأمم المتحدة في نيويورك، 21 يوليو 2017.

لم تتضمن قائمة المطالب الستة الشروط التي رأتها قطر «تتماس مع سيادة دولتها»، وهي إغلاق قناة الجزيرة، والقاعدة العسكرية التركية، فضلًا عن تعويض خسائر الدول الأربع، وبقيت كافة المطالب الأخرى «عمومية» في صيغتها. ونجحت قطر في التحايل على مطالب الدول الأربعة التي تتعلق بتمويل الإرهاب، التي أخذت صيغة «عمومية»، من خلال توقيع مذكرة تفاهم حول محاربة الإرهاب ومكافحة تمويله، خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إلى الدوحة.

يتأكد ذلك بتصريح وزير الخارجية السعودية أن قطر نفذت بعض الشروط، ومنها توقيعها مذكرة تفاهم مع أمريكا حول تمويل الإرهاب بعدما كانت ترفض توقيعها، وسمحت بوجود مسؤولين أمريكيين في البنوك القطرية، وغيرت قوانينها لتسمح باستلام أدلة من خارج قطر إذ كانت ترفض في السابق، كما قلّصت الدعم لمنظمات متطرفة في سوريا وليبيا؛ مما يساعد في إيجاد حل سلمي لهاتين الأزمتين، إضافةً إلى تقليص الدعم لـ«حماس»، ما فرض على الحركة تسليم غزة إلى السلطة الفلسطينية.

وتضمنت الاتفاقية إيفاد اثنين من المسؤولين من وزارة العدل الأمريكية إلى النيابة العامة في قطر، فضلًا عن منح السلطات الأمريكية بالتنسيق مع القطرية اتخاذ إجراءات أخرى مثل: فرض حظر على السفر، وفرض مراقبة، وتجميد أصول الأفراد المشتبه في صلتهم بالإرهاب. ويشير الاتفاق إلى تعريفات متفق عليها دوليًّا للإرهاب دون تحديد مجموعات معينة.

تأكد ذلك، أيضًا، بتصريحات الجار الله، في مداخلة تليفزيونية، بعد جولة المفاوضات الثانية، ذكر فيها أنّ «الدول الأربعة تجاوزت عن مطلبين تمسكت بهما الدوحة هما: إغلاق قناة الجزيرة الفضائية، باعتباره شأنًا سياسيًّا داخليًّ يخص الدولة الخليجية، وملف التعويضات، التي طالبت به الدولة الأربعة ضمن قائمة المطالب الخمسة عشر».

وأوضح أنّ «الدول العربية تأكدت من أن واشنطن وكافة الدول الأوروبية باتت لديها علم ودراية شاملة بكافة ممولي الإرهاب، بما يضمن مراقبة على السلوك القطري». تنكشف إذن، الصورة كاملة أمام الحقائق سابق ذكرها، فالدول الأربعة تراجعت عن الشروط التي تراها قطر «تعجيزية» مثل إغلاق الجزيرة، والقاعدة العسكرية التركية، ودفع التعويضات. واكتفت بمطالب تمويل الإرهاب، وهو ما تحقَّق لقطر عبر توقيع الاتفاقية مع الجانب الأمريكي، بجانب تخفيض حدة هجوم وسائل الإعلام التابعة لها، ودعم رسمي قطري للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وهو ما ظهر في مخاطبته بشكل شخصي في برقية عزاء الشيخ تميم بن حمد في حادثة مسجد الروضة. ويُضاف لذلك بعض الإجراءات البروتوكولية خلال قمة الخليج المُقبلة، مثل مصافحة أمير قطر جميع الملوك والأمراء أمام الإعلام، والاعتذار للملك سلمان بن عبدالعزيز.