بقلم د. محمد نبيل: حافظوا على هوية مصر
خاص سياسي
تمر الدول والمجتمعات بالكثير من التغيرات السياسية والأقتصادية والتى يتبعها تغيرات إجتماعية قد تكون سلبية أو إيجابية واحيانا تكون كارثيه حسب إستقرار النظام الهيكلي للدولة، وتمكنه من ادواته و مدى مرونته لتقبل التغيرات دون المساس بالتركيبة الإجتماعية لشعبه.
وعلي سبيل المثال لا الحصر، فى روسيا فى أواخر القرن الماضى ما بعد سقوط ما يسمى بالأتحاد السوفيتي القديم وتفككه والتحول السياسي من نظام أشتراكى بحت. أتخذ كنموذج للدول الأخرى إلى نموذج اخر أكثر تحرراً يتخذ الديموقراطية كنظام حكم داخلي والرأسمالية كتوجه إقتصادي إستراتيجي.
- كان هذا الأجراء من الصعب تحمله والمجتمع الروسي لم يستوعب تبعات التغيير، إلا بعد فترة من الترنح دامت لما يقرب من عشر سنوات أنخفض فيها الروبل الروسي وسادت فيها البطالة مؤدية إلى تفشي الجريمة وتفكك فى أوصال الدولة مما أدى الي سطوة وفساد رجال الأعمال.
إن هذا التغيير الهائل فى فترة وجيزة أضاع ملايين الأسر التى كانت تعتمد أعتمادا كلياً علي إدارة الدولة لشئونها من توفير دعم ووظيفة وخلافه، وإمتيازات نسبية إلى نظام أخر يعتمد على آليات السوق الحر والمنافسة مما جعل الفئة الوسطى من الشعب والتى كانت تحتمى تحت مظلة الدولة تنضغط اضطراريا فى المرحلة التالية لسقوط الاتحاد السوفيتي إلى مستويات مجتمعية اقل مفتقدة معها قيمها الثقافية ومتشحة بأدبيات مجتمعية ادنى.
وإذا ما أفترضنا أن المجتمع مقسم إلى طبقات مجتمعية أو فئات نوعية فإن القيم المجتمعية لشعب ما دائما ما تختزن فى ثقافة الطبقة الوسطى من عمال وموظفين وصغار التجار.
ففي مصر مثلا فى فترة الخمسنيات والستينيات رغم ما عليها من خلاف سياسى أو إقتصادى ما بين مؤيد ومعارض، إلا أنه لا ينكر أن للطبقة الوسطى فى مصر فى تلك المرحلة الكثير من المكتسبات والمدعمة بالتشريعات الخاصة لحمايتها. فيكفى أن تكون منتمى الى تلك الفئة المستقرة نوعا ما إقتصاديا لكى تبدأ فى تأسيس حياتك الخاصة والمهنية دون أن تكون مرتهن بتغيرات السوق الحر. وهذه الطبقة المجتمعية كان لها ثقافة وقيم مصرية اصيلة و ذوق ثقافى راقى مرتبط بها يمثل الشخصية المصرية بكل وضوح.
إلا أنه مع التغير الحاد فى السبعينيات، وما بعدها وإفساح المجال لسياسات السوق الحر و الأنفتاح على العالم رغم ما علي تلك الحقبة من تحفظات فى التنفيذ إلا أنه نتج عن ذلك بداية تآكل فى الكتلة الوسطى من المجتمع وصعدت فئات أخرى دونها لتعتلى مشهد الصدارة فارضة ثقافتها و قيمها بل ومصطلحاتها.
و أفضل مثال يمكن أن يرصد تلك الظاهرة هو إتخاذ الفن والثقافة العامة كمؤشر فاصل بين المرحلتين.
فحتى فى وقتنا الحالى ما هو مقبول لدينا فنياً وثقافياً كان لن يجد إلا الأستهجان فى فترة الخمسينيات والستينيات ليس لأختلاف الذوق فحسب فهذا أمر طبيعى انما لأختلاف طبيعة المتلقى أيضا.
فمثلا لا يمكن لأعمال فنية تعبرعن البلطجة والمخدرات والعشوائيات أن تجد لها سبيلا للنجاح، عندما تكون الفئة المستهدفة للتسويق هى الفئة المتوسطة الطبيعية بأخلاقها وثقافتها.
إنما عندما يكون العميل المستهدف للتسويق له ذوق معين، وإن كان متدنى فلابد أن ينصاع إليه المنتج الذى يستهدف الربح دون تفكير.
إنه وإن كان من الغريب أحتواء تلك الأعمال الفنية على هذا الكم من العنف، وتدنى لغة الحوار. إلا أنه من الأغرب أن تحظى تلك الأعمال على نجاح منقطع النظير.
وهذا مؤشر على طغيان أدبيات طبقة مجتمعية معينة ينتج لها ما ترتضيه من ذوق، ولكن لا ترقى لتمثل الشخصية المصرية الأصيلة.
إن شخصية مصر فى قيمها وثقافتها ومخزونها الحضارى الذي أكتسبته على تلك الارض وأفضل من يمثل ذلك هو أبناء مصر من الفئات الكادحة وحتى وإن كان هنا التعميم الشامل غير دقيق، وقد يكون متجاهلا لفئات مجتمعية أخرى إلا أنه ما لا يختلف عليه أنه مع إنضغاط الطبقة الوسطى أقتصاديا وهى عصب الثقافة الشعبية. نرى ملامح الشخصية المصرية بصفة عامة تتجه إلى الشحوب والأنطواء، ويسود وسط عام يرى القبح جمالا وإظهار عورات المجتمع علاجاً حتى وإن إجترح خصوصية البيوت بصريح العبارات الجارحة.
فالفن يجب ان يسمو ويرتفع بالذوق العام لا أن يرسخ لتدنيه. إن الحفاظ على الأمان الأقتصادى للمواطن هو هدف استراتيجي، يحفظ به إستقراره ويزيد من تماسك الرابطة الوطنية بين فئات المجتمع بل ويحفظ هوية وطن.